إن من يتأمل وقاثع حياة أليستر كراولي
(1875 - 1947) الإنجليزي الجنسية وأشهرسحرة القرن العشرين على الإطلاق
والذي وصفته الصحف بأنه أخبث رجل في العالم ، كما كان يطلق عليه الوحش الكبير - لا
يسعه أن إلا أن يصفه بالشيطان نفسه.
فهو كاتب وشاعر وناقد إجتماعي ومتصوف ومنجم
ومتعاطي مخدرات ومتعي (غارق في الملذات) ومن أهم رموز الثورة الجنسية ومن هواياته
لعب شطرنج وتسلق الجبال، اشتهر بكتابات الغموض ومن أهمها كتاب القانون Book Of Law ، وكتاب نص ثلما المقدس The central sacred text of Thelema. كان كراولي عضواً مؤثراً في عدد من
المنظمات الطائفية السرية منها الفجر الذهبي و Argenteum Astrum و Ordo
Templi Orientis
، واكتسب كراولي خلال حياته الكثير من سوء السمعة إلى درجة أنه اشتهر بلقب
"أخبث رجل في العالم".
بدأ كراولي بحثه عن الحقيقة (على حد قوله) وهو
يعني بذلك العلوم السوداء - في سنة 1898 حينما انضم إلى جماعة تزاول السحر اسمها
الفجر الذهبي حيث كانت في ذلك الوقت أهم جمعية إنجليزية لمزاولة الروحانيات ولكن
الطقوس السرية لهذه الجماعة كانت أبسط من أن تشفي غليل رجل مثل كراولي الذي بدأ
يقتل القطط الصغيرة ويقدمها كأضحيات وهو ما زال في الثامنة عشر من عمره.
انسحب كراولي من الجمعية وبدأ تجارباً شخصية
في مكان منعزل في بولسكاين في عام 1900 . وفي الشهور التي تلت وصوله بدأت تسري
إشاعات في القرية القريبة عن أصوات غريبة وعن الشيطان في القصر الذي اتخذه مقاماً
. ولم يهتم كراولي بهذه الشائعات ، بل رد عليها بطريقته الخاصة فتسبب في انتحار
خادمين ، في حين أن الجزار الذي وصله شيك موقع من كراولي وبه أسماء شيطانية ورموز
سحرية قطع شرياناً في يده وأضحى من عمال الكنيسة ومن المدمنين على الخمر . ولما مل
كراولي الحياة في بولسكاين كان قد أتقن جميع فنون السحر وخرج إلى العالم هادفاً
تكريس أكبر عدد من مزاولي السحر الأ سود ، حاملا مبدأ جديدا، هو الشر بهدف الشر
نفسه .ودرس بتعمق في مصر وفي أمريكا . وفي هذا الوقت لم تزد فلسفته الأساسية عما
لخصه في أقواله وخطاباته أكثر من مرة ، وهي : "افعل ما تشاء "، وهذا هو
كل القانون . وكان يسر دائماً بأن يضيف إلى نفسه ألقاباً جديدة كلما أمعن إغراقا
في الشر وفي إذلال معشوقاته الكثيرات - اللائي كان يشير إليهن بـ "نسائي
القرمزيات" - حيث كان يجبرهن على الاشتراك في حفلات داعرة وبأن يمثلن دور قرد
يموت أو كلب.
-
الكتاب عبارة عن نصوص ثلما
المقدسة، كتبه كراولي في القاهرة - مصر في سنة 1904 ، يتضمن الكتاب 3 فصول،
استغرقت كتابة كل فصل منه ساعة واحدة ، مبتدئاً من فترة منتصف الظهر في أيام 8 و 9
و 10 أبريل، يزعم كراولي أن مؤلف الكتاب هو روح أو كيان اسمه أيواس Aiwass ، والذي وصفه بعد ذلك بأنه ملاكه الحارس العلوي. أو الروح العليا.
ترتكز التعاليم على مبدأ "أفعل ما شئت
لما تزايد عدد مريديه قرر كراولي أن يتخذ
قاعدة دائمة في جزيرة كورفو التي تقع على بالقرب من جزيرة صقلية. واستقر فعلاً
هناك في فيلا مقامة في الجانب الجبلي أسماها دير ثلما Thelama و أقام بها أنواع الحغلات السوداء والطقوس السحرية وتقديم
القرابين والدعارة ، كل هذا تعظيماً للشر . وكتب باستفاضة شارحاً طقوسه الشيطانية
والطرق التي تؤدي إلى توافقه التام مع الشر وتفاصيل حياته اليومية .ولكن بالرغم من
نأي الدير فإنه لم يخفى عن أعين السلطات . وحينما اختفى طفل في سنة1923 وأشيع أنه
قد اختطف من قرية قريبة وأن كراولي قد قدمه كقربان ، لم يكن هناك مناص من طرده .
وهكذا عاد كراولي وجماعته إلى إنجلترا حيث بدأ في نشر مؤلفاته ، في حين دار أتباعه
ينشرون مبادثه . . . الشر للشر نفسه. والصورة تبين كراولي في زي البافوميت الأعظم
لجماعته.
-
وفي سنة 1944 توفي كراولي
بعد أن أنهك جسمه الانغماس في الملذات والإفراط في الشراب والسموم فلم يصلى عليه
في الكنيسة وإنما أقام له أشياعه حفلا ً أسود أحرقوا خلاله جثته وهم يتلون صلوات
تمجد إبليس ! غير أن أغرب ما لوحظ على كراولي خلال أسفاره العديدة التي زار فيها
معظم بلاد العالم هو قدرته الفائقة على التقمص لشخصيات مختلفة ، فكان يبدو من أهل
البلد الذي يحل فيه بحيث لا يستطيع أحد من أهل البلاد الأصليين التفرقة بينه وبين
مواطنيهم وهو الأمر توضحه الصور والتي يبدو في إحداها تجسيد لـ البافوميت Baphomet الأ عظم ! ، والبافومت أحد الأشكال التي تجسد الشيطان والذي بدأت
فكرته مع جماعة فرسان المعبد التي كانت تقيم طقوس سرية لعبادته ويأخذ عادة شكل
التيس .
أما أحب الأ لقاب على الإطلاق إلى كراولي فهو
رقم 666 .وهو اللقب الذي اشتهر به في العالم وكان يوقع به خطاباته كما ألف كتابا
كاملاً كان عنوانه نفس اللقب - فما حكاية هذا الرقم ؟ ولماذا اتخذه كراولي لقبا له
؟ وهل لذلك صلة بالشيطان ؟
تنص رؤيا يوحنا اللاهوتي في العهد الجديد ،
الإصحاح 13 - الآيات من ( 1) إلى (81) على أن هناك رقم معين هو الرقم 666 وأن هذا
الرقم سيكون على جبهة وحش ، هذا الوحش هو تجسيد للشيطان عند إقتراب القيامة وفناء
العالم. وأكد كراولي أنه منذ أقدم العصور قد أخبر الأ نبياء بسقوط الحقبة المسيحية
The Christian Eon وأن نفس الشيئ قد ذكر في سفر الرؤيا الذي
وصف فيه نبي الحقبة التالية على أنه صورة سلبية تتمثل في وحش له سبعة رؤوس وعشر
قرون، واعتبر كراولي أن مواهبه تؤهله لأ ن يكون ذلك الوحش، حيث كان يوقع خطاباته
باسم : The Beast أي الوحش .وهناك أصل تاريخي للموضوع ،
فاليونان مثلًا يرمزون للسيد المسيح عليه السلام بالرقم 888 ، والسبب في ذلك أنه
أكثر من مرتبة الكمال - وهي ثلاث سبعات - مثلثاً بواحد . والوحش الشيطان برقم 666
لأ نه أدنى من مرتبة الكمال مثلث بواحد . فهل أتى اتخاذ كراولي لهذا اللقب
إعتباطاً ؟ أم أنه كان يدرك تمام الإدراك :أنه يعبر عن حقيقة واقعة ؟ حقيقة أنه تحسيد
بشري للشيطان نفسه.
كثيراً ما يعرف عن كراولي بأنه ممارس للسحر
الأسود وأنه أبو الطوائف السرية الحديثة فما زالت سمعته البشعة في نمو مستمر، وهذا
ما أكده استفتاء أجرته بي بي سي في عام 2002 حول أكثر الشخصيات البريطانية نفوذاً
على مر التاريخ فجائت شخصية كراولي في المرتبة 73 من أصل 100.
تناول كتاب عديدون السيرة الذاتية لـ كراولي
لكن لم يحقق أو يبحث أحداً منهم في صلته المزعومة مع المخابرات البريطانية ، لكن
البروفسور ريتشارد سبنس الذي يشغل كرسياً في قسم التاريخ في جامعة أيداهو
الأمريكية يكشف في كتابه الذي نشر مؤخراً ويحمل عنوان "أليستر كراولي -
العميل السري 666 - المخابرات البريطانية والطائفة" عن حقائق جديدة من حياة
كراولي تثير تساؤلات عن شخصيته.
-
وبعد مراجعة سبنس
لوثائق أمريكية وفرنسية وإيطالية من الأرشيف اكتشف أن لـ كراولي يد في غرق
لوسيتانيا Lusitania وهي سفينة بريطانية فخمة جرى تفجيرها
بالطوربيد من طرف أيرلندا مما أدى إلى مقتل 1198 من ركابها، لفتت حادثة الغرق
إنتباه الرأي العام في بلدان عديدة ضد ألمانيا في الحرب العالمية الأولى، ساعد
كراولي أيضاً في إحباط مؤامرات القوميين الهنود والأيرلنديين. وتواطأ الشيوعية
العالمية ولعب دوراً أسوداً في رحلة طيران رودولف هيس في عام 1941
-
يقول سبنس: "من الصعب
معرفة أين تتداخل صورة كراولي كشخصية العامة مع صورته كرجل. أظهر سنس إعجابه
بطريقة كراولي في إستخدام طائفته كغطاء لدعم نشاطات أخرىK كان شخصاً شريراً في أذهان الناس لذلك لم يكن أحد يشك في أن جهاز
المخابرات قد تفكر في تجنيده ضمن صفوفها ، وبما أنه لن يكون جاسوساً محتملاً ربما
رأت فيه المخابرات أفضل أختيار".
-
ويقول سبنس أن الهجوم الذي
تم على سفينة لوسيتانيا جاء بمساعدة كراولي حيث أظهر للرأي العام عدائية الألمان
بهدف جر الولايات المتحدة الأمريكية للدخول في الحرب، كان كراولي يتبع بدقة رغبات
الأدميرال هول رئيس الإستخبارات الربطانية البحرية" ويضيف سبنس:" كان
كراولي نفسانياً هاوياً وماهراً ، وقد ملك قدرة غريبة للتأثير على عقول الناس أو
ربما استخدم التنويم الإيحائي (المغناطيسي) في عمله الخفي، والأمر الآخر هو
استخدامه للمخدرات، ففي مدينة نيويورك أجرى دراسات معمقة ومفصلة جداً لمعرفة تأثير
مادة ميسكالين mescaline ، كان يدعو أصدقائه إلى العشاء ويخلط توابل
الكاري مع مادة الميسكالين في الطعام الذي يتناولونه ، ثم يراقبهم ويدون ملاحظاته
عن سلوكياتهم، ويجدر بالذكر هنا أن مادة الميسكالين استخدمت بعد ذلك من قبل وكالات
الإستخبارات لإجراء تجارب لتغيير السلوك أو التحكم بالعقل".
No comments:
Post a Comment