Monday, October 22, 2018

اسطورة المس والسحر والحسد


إن تفسير الأمراض النفسية بالسحر ومس الجن والحسد لا أساس له في الطب النفسي. لعل الأمراض النفسية بصفة عامة هي أكثر الموضوعات التي تدور حولها الأساطير ،فيردد الناس حولها الروايات والقصص الخيالية، حتى أن الحالات النفسية قد ارتبطت لفترة طويلة من الزمان في الأذهان بمعتقدات وأوهام منها تأثير الحسد والسحر ومس الجن والأرواح الشريرة وغيرها من القوى الخفية .

وربما كان السبب في هذا الإرتباط بين الأمراض النفسية وهذه الأوهام والمعتقدات هو محاولة الناس المستمرة البحث عن سبب أو تفسير للتغيرات التى تصيب بعض الناس وتسبب لهم الإضطرابات ، وفي هذا الصدد نسمع عن أشياء غريبة يرددها المرضى أو ذويهم ،فعلى سبيل المثال يذكر المريض أنه رأى في منامه حلماً مزعجاً وأصابه المرض في اليوم التالي ، وتروي بعض الأمهات أن ابنتها المصابة باضطراب نفسي قد تعرضت للرعب حين انقطع التيار الكهربائي فجأة وكانت بمفردها في غرفة مظلمة وأعقب ذلك اصابتها بالحالة النفسية . ومن ما يردده الناس أيضاً عن إصابة البعض بالأضطراب النفسي نتيجة التعرض لتأثير قوى خفية ، فمن المرضى النفسيين من يؤكد أنه شاهد أشباحاً مخيفة أو شيطاناً على غرار ما ذكرته صاحبة التجربة المنشورة بعنوان "شرير يلاحق حياتي" أو هالات ضوء أو ومضات كالبرق ويفسرها بأنها تحمل رسالة موجهة اليه ، ومنهم من يتصور أنه استقبل أصوات تخاطبه وتوحى اليه بالقيام ببعض الأفعال أو تأمره بعمل شيء ما، ويتصور البعض حين يستمع الى ذلك أن هناك قوى خفية وراء المرض النفسي .

لكن التفسير العلمي لذلك لا يعدو أن ما يحدث في هذه الحالات ليس سوى استقبال المريض لبعض المؤثرات الصوتية والضوئية الغير واقعية نتيجة لخلل مرضي أصاب مراكز الجهاز العصبي ، وهو مانطلق عليه في الطب النفسي " الهلاوس " السمعية والبصرية Hallucinations ، وهذه من أعراض المرض العقلي وليست سبباً فيه ، كما أنه لا علاقة بين ذلك وبين الأشباح أو الأرواح الشريرة أو القوى الخفية .

كثيراً ما يروى لنا أهل المرضى في العيادة النفسية روايات غريبة عن مرضاهم حيث يذكرون أن الشخص يتحول في بعض الأوقات إلى شخصية أخرى يتحدث بلغة لا يفهمها أحد وصوت مختلف فيكون تفسيرهم لذلك أنه " ملبوس " بواسطة الشياطين التي تسبب له المرض، غير أن التفسير النفسي لذلك هو حالة تهور هستيري أو تقمص المريض لشخصية أخرى كوسيلة يستخدمها العقل الباطن للهرب من القلق وضغوط الحياة التي لا يمكن له مواجهتها فيكون الدفاع الملائم هو الهروب منها ويتحقق للمريض أيضاً التعاطف والرعاية من المحيطين به فيكون ذلك حلاً مرضياً لمشكلته.

إننا نؤمن تماماً بكل ما ورد في القرآن الكريم حول السحر ، والجن ، والحسد ، لكن الإلتزام بالكتاب والسنة لا يجب أن يقودنا الى التصديق بأمور تفتح الطريق الى كثير من البدع والخرافات التى يروج لها المشعوذون، وهناك أمور لا يملك أحد أن يؤكدها أو ينفيها مثل دخول الجن الى داخل جسد الأنسان أو قدرته على التسبب له في الأذى ، وكذلك أثر العين على الأنسان والقدرة على تجنبه ، والحقيقة أن الدفاع الأمثل ضده هذه الأمور هو التمسك بالإيمان القوى بالله والتسليم بأنه لن يصيبنا إلا ما كتبه الله سبحانه. والحقيقة أننا من وجهة النظر النفسية نحاول دائماً التمسك بالحقائق العلمية المدروسة في تناولنا لتلك الأمور ، ونقوم بعلاج هذه الحالات وفق الخط الطبي والنفسي الذى نعلمه دون التوقف كثيرا أمام الاعتبارات الخفية في الموضوعات التي تخص الصحة والمرض .

الأخوة والأخوات ...هي نصيحة الطب النفسي إليك.. دع عنك الاستغراق في التفكير في هذه الأمور التي قد تدفعك إلي القلق والاضطراب والخوف وربما تصبح بعدها من المرضى الذين يحتاجون لعلاج طويل ، وكل ما عليك هو أن تتفاءل وتبتسم للحياة، وقبل ذلك وبعده أن تتوكل على الله في أمرك كله.


No comments:

Post a Comment