تعتبر المرآة من مستلزمات الحياة اليومية فمن منا لا يدفعه فضوله لرؤية نفسه في المرآة لتصحيح مظهره أو هندامه الذي هو بدوره إنعكاس شكلي لصورة ذاته أمام الناس وذلك قبل بدء يوم عمل/دراسة جديد أو حضور حفل أو زيارة أو إجتماع ، فرغبة النظر في المرآة لا تقاوم عند معظم الناس وخاصة لدى المرأة حيث تكون بمثابة صديقة لها، ولكن قد تصل تلك الرغبة في بعض الأحيان إلى درجة من الهوس كنتيجة للتعلق الزائد بصورة الذات أو القلق المستمر على كل ما قد يؤذي تلك الصورة من نقائص أو عيوب خلقية أو تزيينية، وقد يصل الامر في بعض الحالات إلى الإصابة بـ الهلوسة أو الخبل .
المرآة المائية أو صفحة الماء كانت أقدم مرآة عرفها الإنسان في التاريخ وسبق أن عرفتها الحيوانات من قبل ، ففي حين تدرك فقط الحيوانات التي لديها دماغ كبير وحس إجتماعي كالفيل وقرد الشبمانزي والدولفين بأن إنعكاس صورتها على سطح النهر أو البحيرة ليست سوى إنعكاس لصورتها الذاتية تجد الحيوانات الأخرى كالقطط مثلاً صعوبة في إدراك ذلك إذ تعتبر الشكل المنعكس حيواناً آخر في الجانب الآخر خلف سطح المرآة فتتفاعل معه إما بعدائية أوفضول.
تعتبر المرايا التي ظهرت كأدوات من صنع البشر حديثة العهد إذ بدأ استخدامها كمرايا نحاسية في مصر الفرعونية منذ عهود السلالات الاولى، وكان لها أشكال وتصميمات مختلفة ومنها المرآة ذات المقبض الذي يصنع من عدة مواد كالبرونز أو العاج او الخشب وكانت تحفظ في علب بغرض حمايتها، وقد عثر على عدة مرايا بقرص نحاسي مصقول يعود إلى زمن السلالة الـ 12، أما المرآة الزجاجية فقد ظهرت لأول مرة في القرن الـ 16 في مدينة فينيسيا (البندقية) الإيطالية , وكانت آنذاك أعجوبة سحرية افتتن بها سائر الناس وانتشرت بينهم حتى أنها أصبحت موضوعاً استوحى منه الفنانون أعمالهم.
في اليونان القديمة كانت تروى أسطورة عن شاب اسمه نرسيس Narcissus ، كان معجباً ومنذهلاً بوسامته وشكله، فكان يتطلع كل يوم في ماء البحيرة الى أن سقط مرة في الماء فتحول الى زهرة النرجس الجميلة ومنها نشأ مصطلح "النرجسية" المعروف والذي يتصل بالغرور وحب الذات المفرط، وكان البدائيين أمثال قبائل الزولو وقدماء المصريين والأغريق واليونان ، لا يميزون بين ظل الإنسان (خياله) و روحه، لذلك يتجنبون النظر الى صورهم المنعكسة على صفحة الماء كي لا تلتهمها التماسيح أو الجنيات فتسلب أرواحهم , وربما يكون هذا هو الأصل البعيد لأسطورة نرجس ذلك الفتى الذي هلك من طول تأمل صورته الجميلة في الماء و ساد الاعتقاد في المجتمعات البدائية ان الانعكاس يعني الروح، وتعريض شخص لانعكاس المرآة او أي سطح عاكس يجعله مهددا بالخطر والموت .
كما نجد في الخيال الأسطوري قدرات مزعومة للمرآة منها القدرة على تحويل وتشكيل صور الكائنات، خاصة الكائن الإنساني، وقد يصل إلى حد التشوه والمسخ أحياناً أو حتى الى حد الموت والهلاك أحياناً أخرى، على نحو ما نراه في مرايا السحر الأسطورية العديدة، كمرآة نرجس، ومرآة ديونيسوس، ومرآة ميدوسا (الميدوسا : كائن أسطوري خرافي من فئة الغورغونات وهي تمسخ من ينظر اليها حجراً ) ، لكن بريسيوس تمكن بمساعدة أثينا من استخدام درع (ترس) لامع مصقول للتعرف إلى مكانها المختبئة فيه من دون النظر اليها مباشرة وبالتالي استطاع جز رأسها وهو ينظر الى صورتها منعكسة في الترس .
لا تقف الحكايات الخرافية عند هذا الحد فمنها ما يثير الرعب في النفوس وأشهرها في بريطانيا حكاية وجه ماري الدامي في المرآة التي يتناقلها الناس بينهم. وتقول الحكاية أنه قبل نحو مائة سنة تعرضت امرأة لحادث فظيع خدش وجهها بشكل سيئ، فنزفت حتى الموت متأثرة بجراحها ووجهها المشوه، لكنها اصبحت تظهر في شكل شبح شرير يطارد الناس في المرايا، فما ان يقف الشخص امام المرآة ويكرر اسمها ثلاث مرات حتى يرى وجهها المشوه في الظلام، فإن لم يهرب بأقصى سرعة فستحاول ماري الشريرة ان تشوه وجهه.
وهناك بعض التفاسير بأن كلمة " ماري الدموية " ما هي إلا تحريف لاسم "مريم العذراء" التي تنطق "ماري" في الغرب، وفي هذا ربط بأساطير طقوس السحر الأسود الذي يرتبط مع الأسطورة بقول بعض كلمات الكتب المقدسة بالعكس أمام المرآة وما إلى ذلك من أساليب السحر. لكن كل تلك التفسيرات ما هي إلا محاولات لربط خرافة راسخة في الوجدان الجمعي للبشر ببعض ممارسات السحر الأسود
وفي إحصائية بريطانية عن الخرافات الأكثر تأثيراً في حياة الناس تبين أن وجه ماري المشوه في المرآة هو الأكثر شيوعاً بين الناس، فقد ربط بينها وبين السحرة والمشعوذين اضافة الى أن اسمها ارتبط باسم الساحرة ماري ماجدولين التي تم احراقها في القرون الوسطى.
يذكر التاريخ مرايا كان لها شهرة كبيرة منها
مرآة بابل
اسم بابل يعني (بوابة الإله) وهي مدينة عراقية تقع على نهر الفرات وكانت عاصمة دولة البابليين حيث كانوا يحكمون أقاليم ما بين النهرين (دجلة والفرات) واستطاع سلالة البابليين الأولى في ظل حكم حمورابي (1792-1750) قبل الميلاد من الإستيلاء على معظم مقاطعات ما بين النهرين أصبحت بابل عاصمتهم التي اشتهرت بحضارتها.
ويروى ان في بابل القديمة 7 مدن تتميز كل منها بميزة سحرية، فالمدينة الرابعة كان فيها مرآة من حديد، فإذاغاب رجل عن أهله وأرادوا ان يعرفوا عن حاله التي هو فيها أتوا بالمرآة ووضعوا أمامها اسمه ونظروا فيها فرأوه على الحالة التي هو فيها. فلقد كان اهل بابل يستخدمون المرآة السحرية لمعرفة احوال الغائبين عن أهلهم فكانوا يذكرون اسم احبائهم او اسم احد افراد العائلة فيستحضر صاحب الاسم وينظر إليه اهله في مرآة بابل العجيبة.
مرآة أرخميدس
طور عالم الفيزياء الإغريقي أرخميدس مرآة خاصة بشكل مقعر تعكس الضوء وتجمعه عند نقطة واحدة (البؤرة Focus ) يمكن له أن يحرق الجسم الذي يكون عندها وبالتالي أمكن استعمالها لأغراض عسكرية لحرق سفن الأعداء المصنوعة من الخشب.
مرآة منارة الإسكندرية
تعد المنارة من عجاب الدنيا السبع، و في أعلى المنارة مرآة يمكن من خلالها مراقبة المراكب التي تقلع من سواحل البحر وقد كان الهدف منها رؤية العدو القادم من البحر فيستطيعون الاستعداد له وردعه و يقال ان من يجلس تحت المنارة وينظر في المرآة يمكنه ان يرى من هو بالقسطنطينية ! ، على الرغم من وجود إختلاف في الأصل حول تاريخ المنارة أو من قام ببنائها، حيث يعتقد البعض أن الذي بنى المنارة هو الاسكندر المقدوني بينما يعتقد البعض الاخر أنها ترجع إلى الملكة دلوكة التي كانت أول امرأة نودي بها ملكاً على مصر بعد هلاك فرعون وجنوده في البحر الأحمر والتي دام حكمها 20 عاماً وكان الهدف من بنائها مراقبة الأعداء ويعتقد البعض ان الملك الـ 10 من ملوك الفراعنة هو صاحب المنارة .
لكن من الثابت تاريخياً أن منارة الإسكندرية أُنشئت في عام 280 قبل الميلاد أي في عصر بطليموس الثاني و قد بناه المعماري الأغريقي سوستراتوس ، حيث كانت بطول 120 متراً مما جعلها أعلى بناءً في عصره. ويقال أن قلعة قايتباي قد أقيمت في موقع المنارة، وعلى أنقاضها. وفي بداية عهد الدولة الاموية الإسلامية قام الخليفة الوليد بن عبد الملك بن مروان بهدم المنارة طمعاً في الكنوز التي تحتها كما زين له أحد اتباع الروم، واختفى بعدها كل أثر للمنارة ما عدا ما نقرأه من أوصاف عجيبة لها في كتب التراث.
عبر التاريخ ارتبطت المرآة بجملة من المعتقدات والخرافات التي تراكمت في الموروث الشعبي وهي كالتالي :
استخدمت الشعوب القديمة المرايا في السحر والتكهن بالمستقبل وغيرها من الأمور التي اخرجت المرآة من مهمتها العاكسة الى اطار غرائبي يختلف باختلاف المجتمعات خاصة في العصور الوسطى وحتى مطلع القرن الـ 19 في اوروبا، وكانت تعتبر المرايا السوداء بالإضافة إلى الكرة البلورية ادوات جيدة للتكهن حيث استخدمها العراف الذي لا زال يثير جدلاً حتى اليوم وهو نوستراداموس (1503 - 1566 ) نفسه .
ويعتقد السحرة ان التحديق بالمرآة يمكن ان يكشف الهالة المحيطة بالانسان، واستبدلت المرايا بوعاء ماء صغيرة او كرات بلورية لاعتقادهم انه بامكانها كشف المستقبل وأرض الموتى.
وعرف عن بعض الملوك والدول استعمالهم لمرايا سحرية نذكر منهم : هنري ملك فرنسا حيث كان يستعين بالمرآة السحرية في اغلب الاحيان للتكهن والملكة اليزابيث الاولى حيث كان الساحر الملكي يستخدم بيضة ومرآة سوداء من الزجاج البركاني للتكهن.
ففي أوروبا كان فارس الاحلام او العريس المرتقب يشكل هاجساً ملازماً لمعظم النساء في اوروبا قديماً، كونه يظل مجهولاً قبل ان يصبح حقيقة فكن يحاولن معرفته بشتى الطرق ومنها التكهن بالمرايا، فقد كان يعتقد ان البنت التي تحدق في انعكاس القمر في المرآة ستعلم يوم زفافها وكانت الفتاة تقوم بطقوس خاصة لذلك المستقبل فتأكل الفتاة تفاحة حمراء وتمشط شعرها عند منتصف الليل أمام المرآة وحينها سترى زوج المستقبل في احلامها.
وفي الهند كانت المرايا من الاساليب الشعبية للتكهن في الهند ، وتتضمن طقوسها الصوم وتعطير المرايا وقراءة التعاويذ.
نذر الموت
من العادات الفلكلورية العالمية رفع المرايا من غرف المرضى خشية ان تسرق ارواح الاشخاص الضعفاء، وفي الغالب تزال المرايا من البيت بعد موت أحد افراد العائلة طبقاً لخرافة تذهب الى أن من ينظر في المرآة بعد موت صاحبها سيموت قريباً. وقد ارتبطت المرايا بالشر ففي الفلولكلور الروسي اعتقد انها من صنع الشيطان والغرض منها اخذ الارواح من اجسام البشر.
وكان الحفاظ على المرآة من الامور المهمة حيث اعتقد ان كسر المرآة يكسر الحظ لمدة سبع سنين او يحدث كارثة او موتاً، والمرآة التي تسقط من الحائط من دون تدخل احد هي نذير بالموت ، والطريقة الوحيدة لتجنب سوء الحظ هو جمع قطع المرآة المكسورة ودفنها في ضوء القمر، ظهر هذا المعتقد في القرن الـ 15 في إيطاليا حيث صنعت أول المرايا في فينيسيا من قطع الزجاج القابل للكسر والمطلي بالفضة ثم انتشر هذا المعتقد في أنحاء أوروبا.
في بعض الثقافات القديمة عند وفاة شخص في ظروف غامضة سواء أكان ذلك بالقتل ، أو حادث مأساوي فيجب تغطية جميع المرايا في البيت ، حتى لا تبقى روح الميت معلقة في المرآة ، فتطارد أي شخص لتمتلكه من أجل حل بعض القضايا و كشف عن كيفية وفاتها او تقوم بالثار من قاتلها قبل الانتقال كما يتم استحضار أرواح الموتى عن طريق لفظ أسمائهم ثلاث مرات أمام المرآة ، وبعض الأقاويل تستبدل المرآة بسطح مائي .
الحسد
كان يعتقد بأن نظرة الحاسد أو العين الشريرة من الممكن ان تحطم المرآة او تشوه سطحها ومع ذلك هناك خرافات معاكسة استخدمت فيها المرايا للحماية من الشر، يعتقد ان المرايا يمكن أن تعكس العين الشريرة وانتشرت تلك المعتقدات في اوروبا خاصة، فبحلول القرن الـ 17 كان الناس يضعون مرايا صغيرة في قبعاتهم لصد الحسد.
إنعكاس صورة الشيطان والسحرة
في الخرافات الاخرى انه اذا نظر احدهم مدة طويلة من الليل في المرآة فإنه سيرى الشيطان لذا فمن المستحسن تغطية المرايا في غرف النوم اثناء الليل. ويقال ان الساحرات ومصاصي الدماء ليس لصورهم انعكاس في المرآة وحول علاقة الساحر بالمرآة واستخدامها في السحر ، إقرأ عن العهد بين الساحر والشيطان.
المس الشيطاني
انتشر معتقد لمعرفة فيما اذا كان الشخص ممسوس من طرف الشيطان أم لا ، حيث يطلب منه النظر الى المرآة ويحدق فيها فإذا كان لا يرى انعكاس صورته فيها فهذا نذير شؤم لأن روحه تلفها الظلمة وعليه اللجوء الى الشافي فيقوم هذا الأخير بلف صورة الممسوس بقماش ثم يغطسها في الماء المقدس و تترك بعيداً عن الناس لمدة اسبوع ثم يأخذ الصورة و يدقق فيها جيداً فاذا كانت هناك اجزاء من جسمه مخفية فهذا يعني أن اشيطان استحوذ على تلك المناطق ولفها بالظلام .
الأحلام
يبدو ان أثر المرايا في حياتنا يتجاوز حدود الواقع لنجد كتب تفسير الاحلام تذكر تفسيرات مختلفة لرؤية المرآة في الحلم ، فقد ذكر" ابن شاهين " في كتابه الارشادات في علم العبارات ان من ينظر في مرآة من حديد او ما شابه ذلك فإن كان متزوجاً يأتيه ولد غلام وان لم ينتظر ولداً فإنه يفارق امرأته ويخلفه غيره وإن كان عازباً فإنه يتزوج . ويذكر" ابن سيرين " ان المرآة تدل على الجاه والولاية بقدر عظمتها وصفائها فمن رأى انه اعطاها لأحد فإنه يدل على ايداع ماله.
المرآة المائية أو صفحة الماء كانت أقدم مرآة عرفها الإنسان في التاريخ وسبق أن عرفتها الحيوانات من قبل ، ففي حين تدرك فقط الحيوانات التي لديها دماغ كبير وحس إجتماعي كالفيل وقرد الشبمانزي والدولفين بأن إنعكاس صورتها على سطح النهر أو البحيرة ليست سوى إنعكاس لصورتها الذاتية تجد الحيوانات الأخرى كالقطط مثلاً صعوبة في إدراك ذلك إذ تعتبر الشكل المنعكس حيواناً آخر في الجانب الآخر خلف سطح المرآة فتتفاعل معه إما بعدائية أوفضول.
تعتبر المرايا التي ظهرت كأدوات من صنع البشر حديثة العهد إذ بدأ استخدامها كمرايا نحاسية في مصر الفرعونية منذ عهود السلالات الاولى، وكان لها أشكال وتصميمات مختلفة ومنها المرآة ذات المقبض الذي يصنع من عدة مواد كالبرونز أو العاج او الخشب وكانت تحفظ في علب بغرض حمايتها، وقد عثر على عدة مرايا بقرص نحاسي مصقول يعود إلى زمن السلالة الـ 12، أما المرآة الزجاجية فقد ظهرت لأول مرة في القرن الـ 16 في مدينة فينيسيا (البندقية) الإيطالية , وكانت آنذاك أعجوبة سحرية افتتن بها سائر الناس وانتشرت بينهم حتى أنها أصبحت موضوعاً استوحى منه الفنانون أعمالهم.
في اليونان القديمة كانت تروى أسطورة عن شاب اسمه نرسيس Narcissus ، كان معجباً ومنذهلاً بوسامته وشكله، فكان يتطلع كل يوم في ماء البحيرة الى أن سقط مرة في الماء فتحول الى زهرة النرجس الجميلة ومنها نشأ مصطلح "النرجسية" المعروف والذي يتصل بالغرور وحب الذات المفرط، وكان البدائيين أمثال قبائل الزولو وقدماء المصريين والأغريق واليونان ، لا يميزون بين ظل الإنسان (خياله) و روحه، لذلك يتجنبون النظر الى صورهم المنعكسة على صفحة الماء كي لا تلتهمها التماسيح أو الجنيات فتسلب أرواحهم , وربما يكون هذا هو الأصل البعيد لأسطورة نرجس ذلك الفتى الذي هلك من طول تأمل صورته الجميلة في الماء و ساد الاعتقاد في المجتمعات البدائية ان الانعكاس يعني الروح، وتعريض شخص لانعكاس المرآة او أي سطح عاكس يجعله مهددا بالخطر والموت .
كما نجد في الخيال الأسطوري قدرات مزعومة للمرآة منها القدرة على تحويل وتشكيل صور الكائنات، خاصة الكائن الإنساني، وقد يصل إلى حد التشوه والمسخ أحياناً أو حتى الى حد الموت والهلاك أحياناً أخرى، على نحو ما نراه في مرايا السحر الأسطورية العديدة، كمرآة نرجس، ومرآة ديونيسوس، ومرآة ميدوسا (الميدوسا : كائن أسطوري خرافي من فئة الغورغونات وهي تمسخ من ينظر اليها حجراً ) ، لكن بريسيوس تمكن بمساعدة أثينا من استخدام درع (ترس) لامع مصقول للتعرف إلى مكانها المختبئة فيه من دون النظر اليها مباشرة وبالتالي استطاع جز رأسها وهو ينظر الى صورتها منعكسة في الترس .
لا تقف الحكايات الخرافية عند هذا الحد فمنها ما يثير الرعب في النفوس وأشهرها في بريطانيا حكاية وجه ماري الدامي في المرآة التي يتناقلها الناس بينهم. وتقول الحكاية أنه قبل نحو مائة سنة تعرضت امرأة لحادث فظيع خدش وجهها بشكل سيئ، فنزفت حتى الموت متأثرة بجراحها ووجهها المشوه، لكنها اصبحت تظهر في شكل شبح شرير يطارد الناس في المرايا، فما ان يقف الشخص امام المرآة ويكرر اسمها ثلاث مرات حتى يرى وجهها المشوه في الظلام، فإن لم يهرب بأقصى سرعة فستحاول ماري الشريرة ان تشوه وجهه.
وهناك بعض التفاسير بأن كلمة " ماري الدموية " ما هي إلا تحريف لاسم "مريم العذراء" التي تنطق "ماري" في الغرب، وفي هذا ربط بأساطير طقوس السحر الأسود الذي يرتبط مع الأسطورة بقول بعض كلمات الكتب المقدسة بالعكس أمام المرآة وما إلى ذلك من أساليب السحر. لكن كل تلك التفسيرات ما هي إلا محاولات لربط خرافة راسخة في الوجدان الجمعي للبشر ببعض ممارسات السحر الأسود
وفي إحصائية بريطانية عن الخرافات الأكثر تأثيراً في حياة الناس تبين أن وجه ماري المشوه في المرآة هو الأكثر شيوعاً بين الناس، فقد ربط بينها وبين السحرة والمشعوذين اضافة الى أن اسمها ارتبط باسم الساحرة ماري ماجدولين التي تم احراقها في القرون الوسطى.
مرآة بابل
اسم بابل يعني (بوابة الإله) وهي مدينة عراقية تقع على نهر الفرات وكانت عاصمة دولة البابليين حيث كانوا يحكمون أقاليم ما بين النهرين (دجلة والفرات) واستطاع سلالة البابليين الأولى في ظل حكم حمورابي (1792-1750) قبل الميلاد من الإستيلاء على معظم مقاطعات ما بين النهرين أصبحت بابل عاصمتهم التي اشتهرت بحضارتها.
ويروى ان في بابل القديمة 7 مدن تتميز كل منها بميزة سحرية، فالمدينة الرابعة كان فيها مرآة من حديد، فإذاغاب رجل عن أهله وأرادوا ان يعرفوا عن حاله التي هو فيها أتوا بالمرآة ووضعوا أمامها اسمه ونظروا فيها فرأوه على الحالة التي هو فيها. فلقد كان اهل بابل يستخدمون المرآة السحرية لمعرفة احوال الغائبين عن أهلهم فكانوا يذكرون اسم احبائهم او اسم احد افراد العائلة فيستحضر صاحب الاسم وينظر إليه اهله في مرآة بابل العجيبة.
مرآة أرخميدس
طور عالم الفيزياء الإغريقي أرخميدس مرآة خاصة بشكل مقعر تعكس الضوء وتجمعه عند نقطة واحدة (البؤرة Focus ) يمكن له أن يحرق الجسم الذي يكون عندها وبالتالي أمكن استعمالها لأغراض عسكرية لحرق سفن الأعداء المصنوعة من الخشب.
مرآة منارة الإسكندرية
تعد المنارة من عجاب الدنيا السبع، و في أعلى المنارة مرآة يمكن من خلالها مراقبة المراكب التي تقلع من سواحل البحر وقد كان الهدف منها رؤية العدو القادم من البحر فيستطيعون الاستعداد له وردعه و يقال ان من يجلس تحت المنارة وينظر في المرآة يمكنه ان يرى من هو بالقسطنطينية ! ، على الرغم من وجود إختلاف في الأصل حول تاريخ المنارة أو من قام ببنائها، حيث يعتقد البعض أن الذي بنى المنارة هو الاسكندر المقدوني بينما يعتقد البعض الاخر أنها ترجع إلى الملكة دلوكة التي كانت أول امرأة نودي بها ملكاً على مصر بعد هلاك فرعون وجنوده في البحر الأحمر والتي دام حكمها 20 عاماً وكان الهدف من بنائها مراقبة الأعداء ويعتقد البعض ان الملك الـ 10 من ملوك الفراعنة هو صاحب المنارة .
لكن من الثابت تاريخياً أن منارة الإسكندرية أُنشئت في عام 280 قبل الميلاد أي في عصر بطليموس الثاني و قد بناه المعماري الأغريقي سوستراتوس ، حيث كانت بطول 120 متراً مما جعلها أعلى بناءً في عصره. ويقال أن قلعة قايتباي قد أقيمت في موقع المنارة، وعلى أنقاضها. وفي بداية عهد الدولة الاموية الإسلامية قام الخليفة الوليد بن عبد الملك بن مروان بهدم المنارة طمعاً في الكنوز التي تحتها كما زين له أحد اتباع الروم، واختفى بعدها كل أثر للمنارة ما عدا ما نقرأه من أوصاف عجيبة لها في كتب التراث.
عبر التاريخ ارتبطت المرآة بجملة من المعتقدات والخرافات التي تراكمت في الموروث الشعبي وهي كالتالي :
استخدمت الشعوب القديمة المرايا في السحر والتكهن بالمستقبل وغيرها من الأمور التي اخرجت المرآة من مهمتها العاكسة الى اطار غرائبي يختلف باختلاف المجتمعات خاصة في العصور الوسطى وحتى مطلع القرن الـ 19 في اوروبا، وكانت تعتبر المرايا السوداء بالإضافة إلى الكرة البلورية ادوات جيدة للتكهن حيث استخدمها العراف الذي لا زال يثير جدلاً حتى اليوم وهو نوستراداموس (1503 - 1566 ) نفسه .
ويعتقد السحرة ان التحديق بالمرآة يمكن ان يكشف الهالة المحيطة بالانسان، واستبدلت المرايا بوعاء ماء صغيرة او كرات بلورية لاعتقادهم انه بامكانها كشف المستقبل وأرض الموتى.
وعرف عن بعض الملوك والدول استعمالهم لمرايا سحرية نذكر منهم : هنري ملك فرنسا حيث كان يستعين بالمرآة السحرية في اغلب الاحيان للتكهن والملكة اليزابيث الاولى حيث كان الساحر الملكي يستخدم بيضة ومرآة سوداء من الزجاج البركاني للتكهن.
ففي أوروبا كان فارس الاحلام او العريس المرتقب يشكل هاجساً ملازماً لمعظم النساء في اوروبا قديماً، كونه يظل مجهولاً قبل ان يصبح حقيقة فكن يحاولن معرفته بشتى الطرق ومنها التكهن بالمرايا، فقد كان يعتقد ان البنت التي تحدق في انعكاس القمر في المرآة ستعلم يوم زفافها وكانت الفتاة تقوم بطقوس خاصة لذلك المستقبل فتأكل الفتاة تفاحة حمراء وتمشط شعرها عند منتصف الليل أمام المرآة وحينها سترى زوج المستقبل في احلامها.
وفي الهند كانت المرايا من الاساليب الشعبية للتكهن في الهند ، وتتضمن طقوسها الصوم وتعطير المرايا وقراءة التعاويذ.
نذر الموت
من العادات الفلكلورية العالمية رفع المرايا من غرف المرضى خشية ان تسرق ارواح الاشخاص الضعفاء، وفي الغالب تزال المرايا من البيت بعد موت أحد افراد العائلة طبقاً لخرافة تذهب الى أن من ينظر في المرآة بعد موت صاحبها سيموت قريباً. وقد ارتبطت المرايا بالشر ففي الفلولكلور الروسي اعتقد انها من صنع الشيطان والغرض منها اخذ الارواح من اجسام البشر.
وكان الحفاظ على المرآة من الامور المهمة حيث اعتقد ان كسر المرآة يكسر الحظ لمدة سبع سنين او يحدث كارثة او موتاً، والمرآة التي تسقط من الحائط من دون تدخل احد هي نذير بالموت ، والطريقة الوحيدة لتجنب سوء الحظ هو جمع قطع المرآة المكسورة ودفنها في ضوء القمر، ظهر هذا المعتقد في القرن الـ 15 في إيطاليا حيث صنعت أول المرايا في فينيسيا من قطع الزجاج القابل للكسر والمطلي بالفضة ثم انتشر هذا المعتقد في أنحاء أوروبا.
في بعض الثقافات القديمة عند وفاة شخص في ظروف غامضة سواء أكان ذلك بالقتل ، أو حادث مأساوي فيجب تغطية جميع المرايا في البيت ، حتى لا تبقى روح الميت معلقة في المرآة ، فتطارد أي شخص لتمتلكه من أجل حل بعض القضايا و كشف عن كيفية وفاتها او تقوم بالثار من قاتلها قبل الانتقال كما يتم استحضار أرواح الموتى عن طريق لفظ أسمائهم ثلاث مرات أمام المرآة ، وبعض الأقاويل تستبدل المرآة بسطح مائي .
الحسد
كان يعتقد بأن نظرة الحاسد أو العين الشريرة من الممكن ان تحطم المرآة او تشوه سطحها ومع ذلك هناك خرافات معاكسة استخدمت فيها المرايا للحماية من الشر، يعتقد ان المرايا يمكن أن تعكس العين الشريرة وانتشرت تلك المعتقدات في اوروبا خاصة، فبحلول القرن الـ 17 كان الناس يضعون مرايا صغيرة في قبعاتهم لصد الحسد.
إنعكاس صورة الشيطان والسحرة
في الخرافات الاخرى انه اذا نظر احدهم مدة طويلة من الليل في المرآة فإنه سيرى الشيطان لذا فمن المستحسن تغطية المرايا في غرف النوم اثناء الليل. ويقال ان الساحرات ومصاصي الدماء ليس لصورهم انعكاس في المرآة وحول علاقة الساحر بالمرآة واستخدامها في السحر ، إقرأ عن العهد بين الساحر والشيطان.
المس الشيطاني
انتشر معتقد لمعرفة فيما اذا كان الشخص ممسوس من طرف الشيطان أم لا ، حيث يطلب منه النظر الى المرآة ويحدق فيها فإذا كان لا يرى انعكاس صورته فيها فهذا نذير شؤم لأن روحه تلفها الظلمة وعليه اللجوء الى الشافي فيقوم هذا الأخير بلف صورة الممسوس بقماش ثم يغطسها في الماء المقدس و تترك بعيداً عن الناس لمدة اسبوع ثم يأخذ الصورة و يدقق فيها جيداً فاذا كانت هناك اجزاء من جسمه مخفية فهذا يعني أن اشيطان استحوذ على تلك المناطق ولفها بالظلام .
الأحلام
يبدو ان أثر المرايا في حياتنا يتجاوز حدود الواقع لنجد كتب تفسير الاحلام تذكر تفسيرات مختلفة لرؤية المرآة في الحلم ، فقد ذكر" ابن شاهين " في كتابه الارشادات في علم العبارات ان من ينظر في مرآة من حديد او ما شابه ذلك فإن كان متزوجاً يأتيه ولد غلام وان لم ينتظر ولداً فإنه يفارق امرأته ويخلفه غيره وإن كان عازباً فإنه يتزوج . ويذكر" ابن سيرين " ان المرآة تدل على الجاه والولاية بقدر عظمتها وصفائها فمن رأى انه اعطاها لأحد فإنه يدل على ايداع ماله.
No comments:
Post a Comment