Monday, October 15, 2018

اللغز المنقوش على الحجر

في نوفمبر من عام 2006 أظهر الباحث الأردني أحمد عبد الكريم الجوهري في المؤتمر التاسع للأثريين العرب والذي كلف من قبل لجنة الاتحاد بالتعاون مع المعهد الفرنسي للآثار الشرقية لوحة أثرية من البازلت منقوش عليها بعض الصور الغريبة يعتقد بأنها تعود إلى 3000 سنة مضت، وهي لوحة اكتنفها الكثير من الغموض وأثارت دهشة الكثيرين حيث أطلق عليها "لوحة الإنس والجن" أو " النقش العجيب " ،أنظر الصورة.

أوضح الجوهري أن نبي الله سليمان - عليه السلام-كان يأمر بصناعة التماثيل، وجاء في كتب التفاسير أنها كانت على صور الأنبياء، وثبت عند رواة الحديث أن الصحابة رضي الله عنهم أنهم شاهدوا في الشام عند هرقل صورًا للأنبياء عليهم السلام.

ويتابع: "إذا أضفنا للوحة البعد الديني لوجدنا أنفسنا أمام آية من آيات الله في هذا القرن، لأن صورة الرجل الموجودة بهذا النقش تخص نبي الله موسى ومرجعيتي في ذلك القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة ففيها وصف دقيق للأنبياء والرسل عليهم السلام وأوصاف موسى تنطبق تماماً مع ما ورد باللوحة، أما في الجهة المقابلة لهذه الصورة فهي للمسيح الدجال".

ويضيف قائلاً : " ومن الملاحظ على هذه اللوحة أن هذا النمط من الفن لا نجد له شبيها في عالم الآثار على الإطلاق؛ إذ ليس هناك عمل فني استطاع الصانع أن يجعل فيه هذا الكم الكبير من الرموز في صورة واحدة بحيث إنه استخدم الجزء الواحد لأكثر من غرض فكان كل جزء في الصورة محسوب بعناية دقيقة ليراه الناظر في صورة أخرى عندما توضع اللوحة في اتجاه مغاير".

ويتابع: " اللوحة أفرزت لنا صورة مقطع جانبي لوجه إنسان تشترك معه 9 صور أخرى يمكن رؤيتها من اتجاهات مختلفة والغريب أن يتداخل جزء كبير من التشكيل الصوري والكتابي، وتشير إلى أن الخط الثمودي أو الآرامي حسب قراءة أساتذة اللغات القديمة كان يشكل حروف هذه اللوحة ".

وإذا قلب النقش بزاوية 180 درجة تصير الكتابة أسفل اللوحة وهنا يختلف المشهد تماماً فيظهر لنا النقش تصف وجه إنسان كأنك تنظر له مواجهة هذا الرجل يبدو أنه في العقد الرابع من العمر، هو يعين واحدة كبيرة هي اليمين وعليها ظفرة غليظة وشعره كثيف وكأنه أغصان شجرة وعلى رأسه عقرب كأنه تاج ويظهر في مؤخرة رأس الرجل أعور العين اليسرى وله أنياب وهو أيضا كأنك تنظر له مواجهة . ويظهر لنا النقش وجه خنزير وهو كذلك أعور العين اليسرى وهو أيضا كأنك تنظر له مواجهة كي يظهر في النقش صورة مقطع جانبي أيمن لوجه مصري فرعوني وأحال وضع النقش بشكل أفقي يظهر في النقش مما يعتقد أنه رأس شيطان وله قرن وهو على كرسي وإذا قلب النقش بشكل أفقي إلى الجانب الآخر يظهر فرج ذكرى وأمامه فرج أنثى .

يستعرض الجوهري شخصية السامري الذي أقنع بعضاً من بني إسرائيل بعبادة العجل الذهبي العجيب بدلاً من الله خلال غياب موسى عليه السلام عنهم للقاء ربه وإستلام ألواح التوراة، ويعتبره أنه هو الدجال نفسه ويستدل على ذلك من طبيعة رد فعل نبي الله موسى عليه (شاهد الفيديوهات في الأسفل).

ما يريد أن يصل إليه الباحث الجوهري هو أن الدجال شخص لم يمت منذ حوالي 3000 سنة وهو مختبئ في عالمنا وسيخرج في زمن قريب ، حيث يعتبر إكتشاف هذا النقش في هذه الأونة دليل قوي أو إشارة تمهد لظهورة القريب، وأنه يتزعم الماسونية بالخفاء لفرض الهيمنة والتمهيد لظهوره وبالتالي تنفيذ مخطط الشيطان الأخير.

يقول أ.د.عبد الفتاح البنا نائب مدير مركز صيانة الآثار-كلية الآثار - جامعة القاهرة أنه يمكن قبول نتيجة تأريخ الكربون 14 المشع للوحة " الشمعدان السباعي " التي وجدت مع " لوحة الإنس الجن " المنقوشة وهو ما يعادل القرن الرابع قبل الميلاد كعمر لطبقة التكلسات المرسبة على سطح اللوح البازلتية وليس كعمر دقيق للعمل الفني نفسه، مع الأخذ في الإعتبار أن العمل الفني لابد أن يكون أقدم بعشرات السنين أو حتى بضعة مئات من السنين إلى أن أهملت و دفنت في التربة أو أصبحت ضمن محتويات التل الأثري.

استعرض د. مصطفى العزبي وهو مدرس النحت بكلية الفنون الجميلة في جامعة القاهرة القطعة الفنية من ناحية الفن التشكيلي فانتهى في تقريره إلى أن العمل في مجمله ينتمي إلى الأساليب الفنية التي ظهرت بالعراق القديمة ويغلب عليها الطابع الرمزي وأسلوب المعاجم من حيث التحوير والتبسيط والتلخيص في الملامح والعناصر.

أما الدكتور عزت قادوس رئيس قسم الآثار اليونانية الرومانية بآداب الإسكندرية وأحد المشاركين في اللجنة العلمية المكلفة من اتحاد الأثريين العرب بإعداد التقرير حول النقش فيقول: " إن اللوحة تحتوي على الشكل الآدمي المكون من مجموعة عناصر فنية يعبر من وجهة نظره عن مائدة قرابين من البازلت الأسود مستطيلة الشكل وكتابات بالثمودية، وعلى الخد الأيمن صور الفنان ثعبانا ملتوياً يعبر عن الشر وصور الفنان الذقن على هيئة عقرب نائم يتجه بأنيابه إلى الخلف وذنبه إلى الأمام وهو يعبر عن الأرواح الشريرة في الأساطير البابلية، لذلك فإن هذه المائدة بما يسيل عليها من دماء تؤدي إلى طرد الأرواح الشريرة مثل الثعبان والعقرب من خلال المناظر المصورة والأدعية الدينية التي تقرأ أثناء تقديم القرابين.

أ.د. عبد الرحيم ريحان مدير منطقة آثار جنوب سيناء وعضو الاتحاد العام للآثاريين العرب فيقول :" أما من ناحية أثريتها فهي أثرية وأقرت بذلك اللجنة العلمية للاتحاد العام للآثاريين العرب والمعهد الفرنسي بالقاهرة وهذا لا يقبل الشك والنقطة الثانية ظروف اكتشافها وهى المجهولة لدينا تماماً أى يجب توفر شهادة ميلاد اللوحة وتتضمن اسم البعثة الأثرية التي اكتشفتها والمنطقة المكتشفة بها والطبقة الأثرية حيث أن كل طبقة لها دلالة تاريخية وطراز وهذا كله غير متوفر ".


مع كل التقدير والإحترام لجهود الباحث الجوهري في تفسيره للوحة الأثرية المذكورة إلا أنها رؤية شخصية لأننا نرى أن تفسير اللوحة لا ينفصل عن كل المعطيات السابقة فلا يتم تفسيرها منفردة هكذا دون إخضاعها لكل الجوانب العلمية السابقة فهي الأساس للتفسير والآيات التي ذكرها الأستاذ الجوهري هي آيات صحيحة عن نبي الله موسى عليه السلام وعن نبي الله سليمان، لكن ما صلة تلك الآيات برسوم اللوحة ؟ خصوصاً أن بعض الرموز يختلف تفسيرها بين شخص وآخر وفق لما يتخيله فيها ( إقرأ عن الباريدوليا : الوهم التصويري الناتج عن النماذج العشوائية) كما أن الأحداث المذكورة بالتفسير يفصلها أزمنة تاريخية متباعدة ففترة خروج بني إسرائيل من مصر تسبق بمراحل عهد نبي الله سليمان أما المسيح الدجال فسيأتي آخر الزمان إذاً فمن المستبعد أن تتضمن لوحة واحدة أو لوحتين كل تلك الأحداث

أما فرضية أن يكون الجن صنع هذه اللوحة فهو مرفوض تماماً فالجن موجود بالفعل ومذكور فى آيات القرآن الكريم ولكن لا علاقة له باللوحة وبهذه الفرضية نحن نهدم كل قواعد العلم ومعايير التأريخ والتفسير التي تعلمناها ونصيغ علوم ومعايير جديدة للتعامل مع هاتين اللوحتين.

يبقى في " النقش العجيب " أو لوحة الإنس والجن مزج غريب لأحداث متنوعة وقعت في فترات متنوعة في الماضي وأحداث ينُتظر حدوثها في المستقبل و رموز وثنيّة، فهل تلك القطعة اختزلت فعلاً كل تلك القصص ؟ ولماذا علينا أن نحمل قطعة أثرية مجهولة المصدر والتي لم نعلم لها صلة بحضارة معينة من الأقوام السابقة كل تلك الاهمية التاريخية بالإستناد في معظمه إلى الأحاديث الشريفة التي لم يذكر سندها أو مدى صدقيتها وبعض القصص القرآني، ومن أين الجوهري على هذا النقش أو اللوحة وأين هي الآن ؟ وما دامت قد أثارت حولها تلك الضجة (ما نراه في آراء الأساتذة المذكورين) فلتعرض إذن في متحف على الأقل ، وقيل أن تلك القطعة الأثرية اكتشفت في سوريا فلماذا إذن لم نسمع عن مطالبة لجنة الآثار في سوريا باستعادتها ؟

من يشاهد الأجزاء الـ 6 لبحث الجوهري المصور (شاهد الفيديوهات) لن يعثر في أغلبه إلا على شواهد دينية (القرآن والسنة) متصلة بتخمينات مبنية على تصورات رمزية وجدها الباحث تتلاءم مع ما يريد أن يطرحه أو يصل إليه في النهاية وهي أن " اكتشاف النقش العجيب في هذه الآونة مؤشر قوي على إقتراب ظهور الدجال، الذي يتزعم الماسونية في الخفاء ". ومن الجدير بالذكر أن الجوهري حاصل على ليسانس الحقوق والشريعة و"يهوى" الآثار إلى درجة الاحتراف.

عادة ما يلجأ أصحاب نظريات المؤامرة إلى وضع الهدف أو "الفكرة الخطيرة والمثيرة " التي ينوون إقناع الجمهور بها أولاً ثم يسلكون كل السبل لجمع المؤشرات (الادلة) والملامح التي تتماشى مع الهدف المنشود أو تدعمه بما فيها استخدامهم لنصوص دينية أو علوم مزيفة غير حقيقية، والكل يعلم أهمية النصوص الدينية في نفوس الناس وفكرهم إذا ما جرى وضعها في قالب لإقناع بفكرة ما، خصوصاً في مجتمعاتنا الشرقية التي يلعب فيها الإيمان فقط دوراً أكبر بكثير من الحقيقة العلمية، وفي نفس الوقت يتعمد أصحاب نظريات المؤامرة إغفال ذكر جملة من الحقائق التي تتناقض مع الهدف "الفكرة المطلوب الوصول إليها "، وهذا يعتبر بلا شك إبتعاد عن الموضوعية أو العلمية.

يمكن ذكر "الباحث " محمد سمير عطا كمثال عن أصحاب هذا النهج حيث يصف نفسه في موقعه على أنه رجل أعمال ومبتكر 12 إختراع مسجل في ألمانيا وسويسرا ( مع أنه ولم يشر إلى طبيعة تلك الإختراعات كان قد عكف على بحث مطول ليثبت أن بناة الأهرام هم من العماليق من قوم عاد وامتلأ بحثه بالأغاليط العلمية ومنها نسفه لجملة من الأدلة الأثرية منها نفيه لوجود ديناصورات وطمسه عن عمد لبعض الاجزاء من الصور الفرعونية الأثرية ليصور إنحناء المزارعين لحصاد المحاصيل على أنها ركوع للصلاة كما هي صلاة المسلمين . وابتعد كلياً عن البحث الأكاديمي أو علم الآثار

في عام 2007 التقت شبكة الأخبار العربية "محيط " بالجوهري وذلك على هامش مؤتمر الأثريين العرب العاشر وخلاله أبدى استياءً بسبب التكتم الإعلامي حول اللوحة (على حد قوله) وعدم دراستها من قبل الأثريين رغم مرور عام على قراءته لها. وزعم الجواهري خلال اللقاء بأن اليهود لهم هدف من التكتم على إظهار اللوحة، ولدى سؤاله عن هذا الهدف يجيب

أن تفسير وقراءة اللوحة لا يأتي في صالح اليهود ومزاعمهم حيث أنهم ينتظرون أمير السلام المخلص، لكن اللوحة تقول أن من سيأتي هو المسيح الدجال ..الشر وليس السلام وأن تابعيه هم القردة والخنازير أي أنها تقول أن الآتي هو الشر وليس السلام كما يزعمون .




وكان الجواهري فعلاً قد تصور جزئين من اللوحة (المقلوبة بـ 180 : والتي زعم أنها تخص الأعور الدجال) أنهما لرسم قرد ورسم خنزير وكأنه يحاول من وراء ذلك أن يشير إلى اليهود (ولكن وفقاً إلى حادثة ذكرها القرآن الكريم عندما انمسخ عدد من اليهود إلى قردة وخنازير بسبب تعديهم للصيد في يوم السبت الذي حرم الله عليهم العمل فيه)، ولأن هناك مؤشرات من الأحاديث ترى أن اليهود سيتبعون الدجال ويكونون من أفراد جيشه.


والسؤال هنا : هل يرى آخرون في الرسومين نفس ما فهمه الجواهري منها أم أنها لا تتعدى باريدوليا ؟


وأخيراً ...هل يعتبر ما طرحه الجوهري من علم الآثار أم أنه سلك منهج أصحاب نظريات المؤامرة مما يجعل المرء يتشكك في الأسس التي اعتمد عليه في توثيق نظرياته !؟ هل هو تفسير ديني بحت لأمور "تخمينية" ؟ ، نترك الحكم للقراء


وعلينا أن لا ننس إن ثنائية العلم والدين في الطروحات البحثية لها أهمية قصوى في بحوث الأمور التاريخية ليكون فعلاً " تاريخ فسره علم " وليست " تاريخ فسرته جملة من التخمينات " .



No comments:

Post a Comment