وقعت في احدى ضواحي موسكو مؤخراً حادثة غريبة
للغاية، قد تبدو وكانها سيناريو لفيلم، يصلح ان يصنف على انه ميلودراما او فيلم
رعب او حتى قصة بوليسية، بل ربما يجد البعض ان التصنيف الاصح هو الكوميديا
السوداء، بدأت القصة عندما شعرت سيدة تبلغ من العمر 30 عاماً تدعى كسينيا بيروفا
بشئ ما يثير قلقاً لديها، ويسبب ازعاجاً وتوتراً نفسياً دائماً وارقاً، دون ان
تعرف ما هو.
وتقول كسينيا بيروفا انه لا يوجد هناك ما
يفترض ان يثير القلق، فهي تعيش مع زوج يحبها ويعاملها بشكل جيد، وابنها لا يعاني
اية مشاكل صحية او غيرها، كما ان الأمور تسير على ما يرام في العمل. وهنا جال ببال
بيروفا ان السبب قد يكمن في مأساة وقعت لها في سن الطفولة، استطاعت هي ان تنساها
في حين لا يزال العقل الباطن يتذكرها جيداً، فاصبحت تنغص عليها حياتها !
فقررت الذهاب لأحد الاطباء الذي ساعدها على
ان تعود بالذاكرة الى الطفولة وبالفعل تذكرت أنها تعرضت وهي في سن الـ 12 الى
اغتصاب من قبل احد معلمي المدرسة. المثير في الامر هو ليس في تذكر كسينيا بيروفا
لهذه التراجيديا بل هو أنها نسيتها اصلاً، وانها احتاجت الى مختص ليعيد تلك
الاحداث الى ذاكرتها التي لم تقتصر على اغتصاب المدرس فحسب تتذكر ايضاً انها حبلت
من الرجل، واضطرت لان تقوم بعملية اجهاض ! ، حينها شعرت بيروفا وكانها وجدت ضالتها
في المدرس، فبحثت عنه ورفعت عليه قضية، ما اثار تعجب الرجل الذي لم يكن يعي ما
يدور حوله. وتتابع كسينيا بيروفا القصة بالقول ان المحكمة رفضت البت في القضية
لانعدام الادلة، والاستناد فقط الى ما جادت به الذاكرة، وهو ما لا يعتبره القانون
حجة كافية لفتح ملف التحقيق. وهنا عادت بيروفا بالذاكرة الى سن الـ 12 مرة اخرى
لتتذكر ان الدورة الشهرية لم تكن قد بدأت لديها بعد، ما يعني ان احتمال الحبل غير
وارد بتاتاً.ومرة اخرى بدأ الشك يراود كسينيا، لكن هذه المرة بأن الطبيب اوحى لها
بانها تعرضت لاغتصاب المدرس، وراحت تفكر بانه هو من يجب ان ترفع القضية ضده.
يقول علماء النفس ان الانسان قادر على ان
يخبئ الاحداث الماساوية التي تصادفه في حياته في اعماق نفسه بهدف ان ينساها، وقد
يتمكن من نسيانها بالفعل، اذ انه من الصعب احياناً ان يعود الانسان ليتذكرها، وقد
يجد مختصون صعوبة كبيرة في العمل على ان يسترجع هذا الشخص او ذاك احداثاً سببت له
الماً نفسياً عميقاً. وحول هذا الامر يقول عالم النفس الروسي فالنتين غلادكيخ ان
هناك الكثير الاشخاص المنضبطين الذين قد يرتكب احدهم جريمة قتل في حالات الغضب
الشديد ثم ينسى تماماً انه هو من اقترف الجريمة، ويعتقد لوهلة وبكل صدق، انه لا
علاقة له بالحادث، وانه عثر على الجثة بمحض الصدفة، فيقوم بالاتصال بالشرطة.
وفي حالات اخرى قد تتعرض فتاة لإغتصاب، ثم
تتفاجأ بكدمات تغطي اجزاءاً من جسدها لا تعرف سببها او مصدرها، ويعود ذلك الى
فقدان الذاكرة النفسي، كما يقول العالم غلادكيخ. لكن الاخصائي الروسي اشار الى
انتشار وباء نفسي آخر في الآونة الاخيرة، وهو الذاكرة الوهمية (الكاذبة ) False Memory ، الذي لا تعود اسبابه الى التوتر النفسي بقدر ما هو الى الايحاء
الخارجي او الايحاء الذاتي.
ويبدأ بعض الاشخاص الاكثر توتراً نفسياً
باختلاق احداث ماساوية مرت بهم اثناء طفولتهم، تعرضوا لها على ايدي اهاليهم او
معلميهم او رفاقهم. لكن بعض من هذه "الذكريات" تولد اثناء الحديث مع
علماء النفس او من يمارسون التنويم المغناطيسي، او ربما عرافين ومشعوذين، يقدمون
فرضيات يلتقطها الشخص لتصبح حقائق وذكريات مبنية على احداث واقعية، تترسخ فيما بعد
في الذاكرة الواعية.
وفي هذا الصدد القت الاخصائية في علم النفس
من جامعة واشنطن إاليزابيث لوتفوس محاضرة في اطار مؤتمر تناول ظاهرة "الذاكرة
الكاذبة" مؤخراً، انه من السهل الايحاء لشخص ما بوقوع احداث لم تقع بالفعل،
لينخرط الشخص بهذه "اللعبة"، ويشرع باختلاق احداث وتفاصيل متعلقة بها،
تتحول فيما بعد الى ذكريات.
وحول ذلك يقول الاخصائي الروسي في معهد
العلاج النفسي غيورغي بليشاكوف، ان الناس عموماً يميلون الى الشعور بالاكتئاب
والاضطراب النفسي والهيستيريا وغيرها من ظواهر الخلل النفسي، وهم على استعداد تام
لممارسة الايحاء الذاتي، كما يميلون إلى الخلط بين الاحداث الواقعية وما يدور في
مخيلتهم من فانتازيا، ويضيف "لا تخلطوا الواقع بالخيال".
ويتابع بليشاكوف ان هذا الأمر دفع الكثير من
علماء النفس الى دق ناقوس الخطر وتحذير الاطباء المعالجين في هذا المجال ودعوتهم
لتوخي الدقة في علاج مصاب يعاني فقدان الذاكرة، اذ ان المصاب في هذه الفترة معرض
لتقبل كل ما يمكن ان يوحى له عن حياته السابقة على انه واقع. قد لا يكون الامر
سهلاً لكن من الوارد جداً ان يتمكن مختص من اقناع شخص ما بأنه ارتكب جرماً او اقدم
على عمل غير مشروع، انطلاقاً من ان العقل البشري مهيأ دائماً لتقبل ما يوحى له،
فيصبح الانسان قادراً على ان "يتذكر" وقائع مرت به وتصرفات اقدم عليها،
على الرغم من انها لم تحدث ابداً.
يتم ذلك من خلال اقناع الشخص بان ثمة احداث
مر بها تسبب له قلقاً، ويتم تصويرها على انها تقبع في اعماق نفسه وتؤرقه، وانه
قادر على ان "يتخلص منها" لاستعادة توازنه، شريطة ان
"يتذكرها" اولاً لتحقيق هذا الهدف.
اثارت ظاهرة "الذاكرة الكاذبة" في
الآونة الاخيرة جدلاً واسعاً في الاوساط العلمية، واصبحت محط اهتمام الكثير من
المختصين الذين يعقدون المؤتمرات ويجرون الابحاث لدراستها، وتحديد مدى تأثيرها على
علاقة الشخص الذي يوحى له بانه تعرض في فترة طفولته لمعاملة سيئة ممن حوله، وبين
هؤلاء بعد ان توجه لهم التهم بذلك، خاصة وان من يشعرون انفسهم في دائرة الاتهام
يبدأون بدورهم بتوجيه اتهام مضاد فحواه ان كل هذه "الذكريات" ليست الا
خرافات، ناتجة عن علاج نفسي غير سليم، وهو ما يزيد حالة المصاب تعقيداً.
بدأ بعض القانونيين يشككون بصحة نظرية
"الذاكرة الكاذبة"، اذ ان اعتمادها بشكل اوسع سيعني التشكيك باقوال كل
من يدلي بشهادته امام القضاء، استناداً الى هذه النظرية، ما يعني انه سيتم رفض هذه
الاقوال، او توسيع دائرة تأويلها. واشارت نتائج تجربة اجراها باحثون في جامعة
"غولا" على 1600 طالب في الجامعة، الى أن 20% من الناس يحتفظون بذكريات
لا تقوم على اساس واقعي بل على احداث لم تقع ابداً، اي على وهم.
وحول هذا الامر يقول العلماء ان الكثير من
مشاعر السعادة في الطفولة اوالمشاكل التي يعانيها الانسان في سن المراهقة، على
الارجح، مبنية على احداث لم يمر بها الانسان. وهنا يشير العلماء الى تباين في
الذكريات التي تثيرها احداث ما عاشها شخصان، اذ يختلف الاثنان في وصف هذه الاحداث
التي مرت بهما. واثبتت التجربة ان بعض من ذكريات خمس هؤلاء الطلاب لا تستند الى
امور وقعت بالفعل، وان هذه "الذكريات" تبلورت في الدماغ في ما بين 4 إلى
8 من العمر.
المقال يسلط على مدى أهمية الإيحاء في ترسيخ
"أوهام" لتعتبر بمثابة حقائق ، أمور لم يكن لها وجود سابق في العقل
لأنها لم تحدث أصلاً، هي ذكريات يصعب محيها رغم أنها زائفة ، وهذا بالغ الخطورة
ويشبه إلى حد ما يسمى بغسيل الدماغ لكنه على عكس غسيل الدماغ يحصل عن غير عمد
وبهدف الإستشفاء ، المقال أيضاً يشكك بمدى فعالية طريقة التنويم المغناطيسي (يرتكز
على الإيحاء أصلاً) لإسترجاع ذكريات الأحداث التي وقعت بالفعل !وبناء على هذا لا
يعتد بوقائع تلك الجلسات كشهادة أمام المحكمة رغم أنها قد تتضمن بعض ذكريات حقيقية
، ويبقى السؤال هنا :
متى نصدق ومتى لا نصدق عقولنا
وأين هي الحقيقة ما يحدث ؟ وهل سيأتي العلم في المستقبل بوسيلة أخرى لمعرفة حقيقة
ما حدث بالفعل من غير قصص ألفها الدماغ على غير وعي منا ؟
نشر هذا الموقع العديد من التجارب الواقعية
فهل كان بعض أصحابها متأثرين أيضاً بفقدان الذاكرة النفسي أو الذاكرة الكاذبة ؟ )
أم أن هناك في الأمر قوى خارجية تدخل في صلب الإيمان والمعتقد كالجن
والشيطان والملائكة تؤثر على عقولنا وتجعلنا نرى ما لا نراه ) وأمور أخرى مأخوذة
عن الثقافة السائدة في المجتمع كثقافة الاطباق الطائرة والمخلوقات الفضائية التي
نراها في أفلام هوليوود والتي نجد لها صدى ورواجاً كبيراً في الولايات المتحدة
الأمريكية وعلى هذا الاساس يكثر عدد تقارير الإختطاف المزعوم فيها مقارنة مع دول
أخرى في العالم .
No comments:
Post a Comment