مصر هبة النيل ، يأتى النيل بمياه فيضه كل عام فى ميقات معلوم ، فيعمر الشطأن والوديان ثم لا يلبث أن ينحسر عنها وقد كساها بطين دسم ، وهو من أخصب ما عرف فى العالم من طين . عرف المصرى القديم الزراعة حين استقر على ضفاف النيل ، حيث فرضت بحكم ظروف الوادى ، الذى تكتنفه الصحراء على الحياة المصرية الكد والكفاح لحماية الأرض ، واستخلاصها من عدوان الصحراء وحماية القرى والأراضي الزراعية بإقامة السدود من مياة الفيضان و رى الأراضى العالية بمد قنوات إليها
فصل الفيضان وفصل البذر وفصل الحصاد
. فإذا انحسرت مياه الفيضان وبرزت الأرض ، وتماسكت طينها ، انطلق الفلاح لزراعتها . وكان المصريون يزرعون من الحبوب القمح والشعير والعدس والفول والحمص والبازلاء والحلبة ومن الخضر الخص والبصل والثوم والكرات والقيثاء والخروع والكتان وكان يقوم بتقسيم الحقول إلى أحواض ويقوم بريها بالشادوف كذلك عمل على زراعة أنواع كثيرة من الأشجار بثمارها وخشبها وظلها . كذلك عرف زراعة الفواكه بأنواعها من أشهرها الجميز والتين والعنب والزيتون والرمان ، بل ونقل إلى مصر أنواع مختلفة من الأشجار من أسيا وأفريقيا
فإذا حل موسم الحصاد ونضج الزرع عمل الفلاحين إلى الحصاد وجنى المحصول فى سعادة على أنغام الناى والغناء . وكان يتم حصر المحاصيل ومقاديرها لتدبير الاقتصاد القومى وتوفير الغذاء للشعب المصرى طوال العام لمواجهة إنخفاض النيل
وقد أستعمل المصرى القديم فى الزراعة العديد من الآلات الزراعية وأهمها الفأس اليدوية والمحراث وآلة تسوية الأرض وللرى استخدام الشادوف والجرار وشق القنوات والترع وأقام السدود
وعند الحصاد استخدم الشرشرة والفأس
ولقد كان لحياة الزراعة فى نفس المصرى ما وجهه إلى تقديس آلهة مختلفة فعبد " حابى " رب النيل "و "اوزير" رب الخضرة والثمار والآلهة "سخت" ربة الحقول والآلهة "رننوت " ربه الصوامع للغلال و"سوكر" و"مين" للإنتاج والوفرة
وكانت تعتبر مواسم البذر والحصاد مواسم وأعياد عظيمة ويشارك الملك فيها .
كان للزراعة أيضا دوراً فى تكوين الأخلاق للمصريين ، وكان خرق هذه الأخلاق تعتبر من كبائر الآثام التى يتبرأ منها يوم الحساب ، إذ يشفع له عند الآلهة أنه لم يقلل مساحة الأرض الزراعية ولم يحجز ماء عن أرض زراعية أو تجنى على حقوق جيرانه من الفلاحين
وكثيراً ما صور الملوك أنفسهم وهم يقومون برموز تشير إلى الزراعة وشق القنوات أو الترع ومن أكبر المشاريع الزراعية شق قناة الملك " سنوسرت " الثالث من عهد الأسرة الثانية عشربالدولة الوسطى لربط النيل بالبحر الأحمر واضافة أراضى زراعية على جوانبها
ولم يقتصر العمل فى الحقل على الرجال فقط بل شارك فيه أيضا السيدات جنب إلى جنب أزواجهن وأفراد أسرتهن وكذلك الأولاد والبنات خاصة أيام الحصاد . وشكلت الزراعة فى وجدان المصرى القديم عقائد مبعثها إيمانه بالبعث والحياة مرة أخرى حيث رأى فى نفسه أحد عناصر الكون كالشمس والقمر والنيل والنبات فكما يتم كل منهم دورات حياة وموت ثم حياة ، فأيقن أنه أيضا بعد الوفاة سوف يحيى مرة أخرى بل ونجد فى تصوره للجنه فى العالم الأخر لابد وأن يقوم بزرع حقول الإله أوزير رب العالم الأخر، والذى كان هذا مقتصر على الأبرار من المصريين ، حيث يقومون بزرع حقول " ياروز
فصل الفيضان وفصل البذر وفصل الحصاد
. فإذا انحسرت مياه الفيضان وبرزت الأرض ، وتماسكت طينها ، انطلق الفلاح لزراعتها . وكان المصريون يزرعون من الحبوب القمح والشعير والعدس والفول والحمص والبازلاء والحلبة ومن الخضر الخص والبصل والثوم والكرات والقيثاء والخروع والكتان وكان يقوم بتقسيم الحقول إلى أحواض ويقوم بريها بالشادوف كذلك عمل على زراعة أنواع كثيرة من الأشجار بثمارها وخشبها وظلها . كذلك عرف زراعة الفواكه بأنواعها من أشهرها الجميز والتين والعنب والزيتون والرمان ، بل ونقل إلى مصر أنواع مختلفة من الأشجار من أسيا وأفريقيا
فإذا حل موسم الحصاد ونضج الزرع عمل الفلاحين إلى الحصاد وجنى المحصول فى سعادة على أنغام الناى والغناء . وكان يتم حصر المحاصيل ومقاديرها لتدبير الاقتصاد القومى وتوفير الغذاء للشعب المصرى طوال العام لمواجهة إنخفاض النيل
وقد أستعمل المصرى القديم فى الزراعة العديد من الآلات الزراعية وأهمها الفأس اليدوية والمحراث وآلة تسوية الأرض وللرى استخدام الشادوف والجرار وشق القنوات والترع وأقام السدود
وعند الحصاد استخدم الشرشرة والفأس
ولقد كان لحياة الزراعة فى نفس المصرى ما وجهه إلى تقديس آلهة مختلفة فعبد " حابى " رب النيل "و "اوزير" رب الخضرة والثمار والآلهة "سخت" ربة الحقول والآلهة "رننوت " ربه الصوامع للغلال و"سوكر" و"مين" للإنتاج والوفرة
وكانت تعتبر مواسم البذر والحصاد مواسم وأعياد عظيمة ويشارك الملك فيها .
كان للزراعة أيضا دوراً فى تكوين الأخلاق للمصريين ، وكان خرق هذه الأخلاق تعتبر من كبائر الآثام التى يتبرأ منها يوم الحساب ، إذ يشفع له عند الآلهة أنه لم يقلل مساحة الأرض الزراعية ولم يحجز ماء عن أرض زراعية أو تجنى على حقوق جيرانه من الفلاحين
وكثيراً ما صور الملوك أنفسهم وهم يقومون برموز تشير إلى الزراعة وشق القنوات أو الترع ومن أكبر المشاريع الزراعية شق قناة الملك " سنوسرت " الثالث من عهد الأسرة الثانية عشربالدولة الوسطى لربط النيل بالبحر الأحمر واضافة أراضى زراعية على جوانبها
ولم يقتصر العمل فى الحقل على الرجال فقط بل شارك فيه أيضا السيدات جنب إلى جنب أزواجهن وأفراد أسرتهن وكذلك الأولاد والبنات خاصة أيام الحصاد . وشكلت الزراعة فى وجدان المصرى القديم عقائد مبعثها إيمانه بالبعث والحياة مرة أخرى حيث رأى فى نفسه أحد عناصر الكون كالشمس والقمر والنيل والنبات فكما يتم كل منهم دورات حياة وموت ثم حياة ، فأيقن أنه أيضا بعد الوفاة سوف يحيى مرة أخرى بل ونجد فى تصوره للجنه فى العالم الأخر لابد وأن يقوم بزرع حقول الإله أوزير رب العالم الأخر، والذى كان هذا مقتصر على الأبرار من المصريين ، حيث يقومون بزرع حقول " ياروز
من هذا نجد أن الزراعة فى مصر لعبت الدور الرئيسى فى تشكيل الحضارة المصرية ، التى قامت على الاستقرار فى وادى النيل وارتباط المصرى بأرضه وإقامة حضارة عظيمة أساسها الزراعة ، نمت فيه روح الارتباط والانتماء لها
فدافع عنها دفاعه عن عرضه وشرفه ، فأبقى على طول الزمان الشكل الرئيسى المتواصل للحضارة المصرية عبر عصور طويلة لم يطرأ عليها إلا القليل من التغيرات الهامشية وأبقت على روح الحضارة المصرية مهما تعرضت من احتلال، فكان هناك الاستمرارية لهذه الحضارة بكل أشكالها فرعونية يونانية رومانية إسلامية إلى يومنا هذا.
كان من وراء الملوك والملكات في مصر القديمة، جنود مجهولون، ومن وراء تلك الهياكل والقصور والأهرام عمال المدن وزراع الحقول. ويصفهم هيرودوت كما وجدهم حوالي عام 450 ق.م. وصفاً تسوده روح التفاؤل فيقول: "إنهم يجنون ثمار الأرض بجهد أقل مما يبذله غيرهم من الشعوب، ... لأنهم لا يضطرون إلى تحطيم أخاديد الأرض بالمحراث أو إلى عزقها أو القيام بعمل كالذي يضطر غيرهم من الناس إلى القيام به لكي يجنوا من ورائه محصولاً من الحَبّ؛ ذلك بأن النهر إذا فاض من نفسه وأروى حقولهم، ثم انحسر مأواه عنها بعد إروائها، زرع كل رجل أرضه وأطلق عليها خنازيره؛ فإذا ما دفنت هذه الخنازير الحَبّ في الأرض بأرجلها انتظر حتى يحين موعد الحصاد، ثم ... جمع المحصول".
وكما كانت الخنازير تدوس الحب بأرجلها، كذلك أُنّست القرود ودربت على قطف الثمار من الأشجار ؛ وكان النيل الذي يروي الأرض يحمل لها في أثناء فيضانه مقادير كبيرة من السمك يتركها في المناقع الضحلة؛ وكانت الشبكة التي يصطاد بها السمك هي بعينها التي يحيط بها رأسه أثناء الليل ليتقي بها شر لدغ البعوض. على أنه لم يكن هو الذي يفيد من سخاء النهر ، ذلك بأن كل فدان من الأرض كان ملكاً لفرعون لا يستطيع غيره من الناس أن يفعلوا به إلا بإذن منه، وكان على كل زارع أن يؤدي له ضريبة سنوية عينية تتراوح ما بين عُشر المحصول وخُمسه.
وكان أمراء الإقطاع وغيرهم من الأثرياء يملكون مساحات واسعة من الأرض. وفي وسعنا أن نتصور ما كانت عليه أملاكهم من الاتساع إذا علمنا أن واحداً منهم كان يملك ألفاً وخمسمائة بقرة. وكانت الحبوب والسمك واللحوم أهم الأطعمة. وقد عثر على بقية من نقش يحدد ما يسمح للتلميذ أن يأكله ويشربه، وقد ذكر فيه ثلاثة وثلاثون نوعاً من لحم الحيوان وطير، وثمانية وأربعون صنفاً من الشواء، وأربعة وعشرون نوعاً من الشراب. وكان الأغنياء يبلعون طعامهم بالنبيذ والفقراء بشراب الشعير المخمر.
الشادوف، دير المدينة TT217.
فدافع عنها دفاعه عن عرضه وشرفه ، فأبقى على طول الزمان الشكل الرئيسى المتواصل للحضارة المصرية عبر عصور طويلة لم يطرأ عليها إلا القليل من التغيرات الهامشية وأبقت على روح الحضارة المصرية مهما تعرضت من احتلال، فكان هناك الاستمرارية لهذه الحضارة بكل أشكالها فرعونية يونانية رومانية إسلامية إلى يومنا هذا.
كان من وراء الملوك والملكات في مصر القديمة، جنود مجهولون، ومن وراء تلك الهياكل والقصور والأهرام عمال المدن وزراع الحقول. ويصفهم هيرودوت كما وجدهم حوالي عام 450 ق.م. وصفاً تسوده روح التفاؤل فيقول: "إنهم يجنون ثمار الأرض بجهد أقل مما يبذله غيرهم من الشعوب، ... لأنهم لا يضطرون إلى تحطيم أخاديد الأرض بالمحراث أو إلى عزقها أو القيام بعمل كالذي يضطر غيرهم من الناس إلى القيام به لكي يجنوا من ورائه محصولاً من الحَبّ؛ ذلك بأن النهر إذا فاض من نفسه وأروى حقولهم، ثم انحسر مأواه عنها بعد إروائها، زرع كل رجل أرضه وأطلق عليها خنازيره؛ فإذا ما دفنت هذه الخنازير الحَبّ في الأرض بأرجلها انتظر حتى يحين موعد الحصاد، ثم ... جمع المحصول".
وكما كانت الخنازير تدوس الحب بأرجلها، كذلك أُنّست القرود ودربت على قطف الثمار من الأشجار ؛ وكان النيل الذي يروي الأرض يحمل لها في أثناء فيضانه مقادير كبيرة من السمك يتركها في المناقع الضحلة؛ وكانت الشبكة التي يصطاد بها السمك هي بعينها التي يحيط بها رأسه أثناء الليل ليتقي بها شر لدغ البعوض. على أنه لم يكن هو الذي يفيد من سخاء النهر ، ذلك بأن كل فدان من الأرض كان ملكاً لفرعون لا يستطيع غيره من الناس أن يفعلوا به إلا بإذن منه، وكان على كل زارع أن يؤدي له ضريبة سنوية عينية تتراوح ما بين عُشر المحصول وخُمسه.
وكان أمراء الإقطاع وغيرهم من الأثرياء يملكون مساحات واسعة من الأرض. وفي وسعنا أن نتصور ما كانت عليه أملاكهم من الاتساع إذا علمنا أن واحداً منهم كان يملك ألفاً وخمسمائة بقرة. وكانت الحبوب والسمك واللحوم أهم الأطعمة. وقد عثر على بقية من نقش يحدد ما يسمح للتلميذ أن يأكله ويشربه، وقد ذكر فيه ثلاثة وثلاثون نوعاً من لحم الحيوان وطير، وثمانية وأربعون صنفاً من الشواء، وأربعة وعشرون نوعاً من الشراب. وكان الأغنياء يبلعون طعامهم بالنبيذ والفقراء بشراب الشعير المخمر.
الشادوف، دير المدينة TT217.
حصاد الحبوب، دير المدينة.
التقدمة
إمساك الأوز وحرث الحقل
وكانت معيشة الفلاحين معيشة ضنكاً. فأما من كان منهم مزارعاً حراً فلم يكن يخضع إلا للوسيط والجابي ، وكان هذان الرجلان يعاملانه على أساس المبادئ الإقتصادية التي ثبتت تقاليدها على مدى الأيام ، فكانوا يأخذون من محصول الأرض "كل ما تتحمله وسائل النقل".
وهذا هو رأْي أحد الكتبة الظرفاء في حياة معاصريه من الرجال الذين كانوا يطعمون مصر القديمة:
"هلا إستعدْت في خيالك صورة الزارع حين ُيجبى منه عُشر حَبّه؟ لقد أتلفَتْ الديدان نصف القمح، وأكَلَتْ أفراس البحر ما بقى له منه ، وهاجمتها في الحقول جماعات كبيرة من الجرذان، ونزلَت بها الصراصير؛ والماشية النهمة ، والطيور الصغيرة تختلس منها الشيء الكثير؛ وإذا غفل الفلاح لحظة عما بقي له في الأرض، عدا عليه اللصوص. يضاف إلى هذا أن السيور التي تربط الحديد والمعزقة فقد بليت، وأن الثورين قد ماتا من جرّ المحراث. وفي هذه اللحظة يخرج الجابي من القارب عند المرسى ليطلب العشور، ثم يأتي حُرّاس أبواب مخازن "الملك" بعصيّهم، والزنوج بجريد النخل، يصيحون: تعالوا الآن، تعالوا! فإذا لم يأتهم أحد طرحوا الزارع أرضاً، وربطوه، وجرّوه إلى القناة وألقوه فيها مبتدئين برأسه ، وزوجته مربوطة معه ، ثم يسلك أطفاله في السلاسل، ويفرّ جيرانه من حوله لينقذوا حبوبهم".
تلك بطبيعة الحال قطعة أدبية فيها كثير من المبالغة، ولكن كاتبها كان في وسعه أن يضيف إليها أن الفلاح كان معرضاً في كل وقت إلى أن يسخر في العمل لخدمة الملك ، يطهر قنوات الري، وينشئ الطرق ، ويحرث الأراضي الملكية، ويجرّ الحجارة الضخمة لإقامة المسلات وتشييد الأهرام والهياكل والقصور. وأكبر ظننا أن كثرة العاملين في الحقول كانت قانعة راضية بفقرها صابرة عليه. وكان كثيرون منهم عبيدا من أسرى الحرب أو المدنيين؛ وكانت الغارات تنظم أحياناً للقبض على العبيد، وكان يؤتى بالنساء والأطفال من خارج البلاد ليبعن في البلاد لمن يدفع فيهن أغلى الأثمان. وفي متحف لايدن نقش بارز قديم يصور موكباً طويلا من الأسرى الآسيويين يسيرون مكتئبين إلى أرض الأسر ، ويراهم الإنسان أحياء على هذا الحجر الناطق وأياديهم موثوقة خلف ظهورهم أو رؤوسهم ، أو موضوعة في أصفاد قوية من الخشب ، وعلى وجوههم إمارات الحقد المنبعثة من اليأس.
التقدمة
إمساك الأوز وحرث الحقل
وكانت معيشة الفلاحين معيشة ضنكاً. فأما من كان منهم مزارعاً حراً فلم يكن يخضع إلا للوسيط والجابي ، وكان هذان الرجلان يعاملانه على أساس المبادئ الإقتصادية التي ثبتت تقاليدها على مدى الأيام ، فكانوا يأخذون من محصول الأرض "كل ما تتحمله وسائل النقل".
وهذا هو رأْي أحد الكتبة الظرفاء في حياة معاصريه من الرجال الذين كانوا يطعمون مصر القديمة:
"هلا إستعدْت في خيالك صورة الزارع حين ُيجبى منه عُشر حَبّه؟ لقد أتلفَتْ الديدان نصف القمح، وأكَلَتْ أفراس البحر ما بقى له منه ، وهاجمتها في الحقول جماعات كبيرة من الجرذان، ونزلَت بها الصراصير؛ والماشية النهمة ، والطيور الصغيرة تختلس منها الشيء الكثير؛ وإذا غفل الفلاح لحظة عما بقي له في الأرض، عدا عليه اللصوص. يضاف إلى هذا أن السيور التي تربط الحديد والمعزقة فقد بليت، وأن الثورين قد ماتا من جرّ المحراث. وفي هذه اللحظة يخرج الجابي من القارب عند المرسى ليطلب العشور، ثم يأتي حُرّاس أبواب مخازن "الملك" بعصيّهم، والزنوج بجريد النخل، يصيحون: تعالوا الآن، تعالوا! فإذا لم يأتهم أحد طرحوا الزارع أرضاً، وربطوه، وجرّوه إلى القناة وألقوه فيها مبتدئين برأسه ، وزوجته مربوطة معه ، ثم يسلك أطفاله في السلاسل، ويفرّ جيرانه من حوله لينقذوا حبوبهم".
تلك بطبيعة الحال قطعة أدبية فيها كثير من المبالغة، ولكن كاتبها كان في وسعه أن يضيف إليها أن الفلاح كان معرضاً في كل وقت إلى أن يسخر في العمل لخدمة الملك ، يطهر قنوات الري، وينشئ الطرق ، ويحرث الأراضي الملكية، ويجرّ الحجارة الضخمة لإقامة المسلات وتشييد الأهرام والهياكل والقصور. وأكبر ظننا أن كثرة العاملين في الحقول كانت قانعة راضية بفقرها صابرة عليه. وكان كثيرون منهم عبيدا من أسرى الحرب أو المدنيين؛ وكانت الغارات تنظم أحياناً للقبض على العبيد، وكان يؤتى بالنساء والأطفال من خارج البلاد ليبعن في البلاد لمن يدفع فيهن أغلى الأثمان. وفي متحف لايدن نقش بارز قديم يصور موكباً طويلا من الأسرى الآسيويين يسيرون مكتئبين إلى أرض الأسر ، ويراهم الإنسان أحياء على هذا الحجر الناطق وأياديهم موثوقة خلف ظهورهم أو رؤوسهم ، أو موضوعة في أصفاد قوية من الخشب ، وعلى وجوههم إمارات الحقد المنبعثة من اليأس.
No comments:
Post a Comment