Friday, September 21, 2018

اهم عواصم مصر القديمة

كانت عاصمة مصر فى العصر الفرعونى كمدينة، ومقر للملك الذى يحكم مصر تخضع لمعايير مختلفة منها جغرافى ومنها سياسى وآخر دينى.

وكانت هذه المدينة كعاصمة تنال القسط الأوفر من اهتمام الملوك الفراعنة الذين اتخذوها كمقر لإقامتهم من حيث طرز البناء فيها من معابد وقصور ومبانى للنبلاء وكبار رجال الدولة وتبدو كحاضرة للبلاد تصب فيها الخيرات وتبدو كأجمل مدينة فى مصر، ومع أفول نجمها وبزوغ مدينة أخرى يقل الاهتمام بها وتمتد لها يد الإهمال لتعود مدينة عادية ليس بها سوى أطلال المجد البعيد، وقد تطول أو تقصر مدة ازدهارها فقد تكون عشرات السنين أو المئات ومنها من تمتد مدة ازدهارها إلى آلاف السنين

§ أولاً: منف (3200 – 2200 ق.م):

وهى تعتبر أول عاصم مصرية سياسية بعد توحيد شطرى البلاد على يد الملك نعرمر بعد صراع مرير مع الشماليين. وكان لموقع "منف" الذى اختاره الملك "نعرمر" جغرافيًا يعتبر موقع استرتيجى حيث يقع ما بين شمال البلاد وجنوبها ومن هذا الموقع يتسنى الإشراف على كافة أجزاء مصر خاصة بعد الوحدة حيث كان يحدها من الشرق شاطئ نهر النيل كحماية طبيعية يصب اجتيازه وغزوها منه وفى الغرب صحراء مصر وهضبة الجيزة من الشمال الشرقى، أما فى الجنوب فتمتد إلى إقليم مصر العليا (الصعيد) الموالية كليتاً للملك الجنوبى (نعرمر).

وزيادة فى التحصينات الخاصة قام الملك نعرمر بإحاطة (منف) بسور يحيط بها من الشمال والغرب والجنوب وتم طلاؤه باللون الأبيض فأطلق عيها لقب "أنب حج" أى السور أو الجدار الأبيض.أما لقب (منف) مشتق (من نفر) أى الأثر الجميل لبهائها وجمالها.

وظلت مصر منذ عام 3200 – 2200 ق.م تحكم من منف كعاصمة سياسية للبلاد طوال العصر العتيق وعصر الدولة القديمة فيما يسمى عصر بناة الأهرام. وكانت تزخر بالقصور الملكية للملك وأعضاء الأسرة المالكة وكذلك قصور وبيوت النبلاء وكبار رجال الدولة والعديد من المعابد وخاصة معبد الإله "بتاح" وزوجته الآلهة "سخمت" وابنها "نفرتم" وأصبحت حاضرة مصر لما يربو على ألف سنة.

ومع سقوط الدولة القديمة خبى نجم منف كعاصمة وإن ظلت طوال العصور الفرعونية واليونانية الرومانية وحتى العصر الإسلامى من ضمن أهم المدن المصرية على الإطلاق كمدينة دينية حيث مقر الإله "بتاح" أحد أهم الآلهة الرئيسة فى مصر وكذلك كمركز تجارى بين الشمال والجنوب ونجد أن الإسكندر الأكبر زارها بعد استيلائه على مصر عام 332 ق.م، وزار معبد "بتاح" وتقرب إلى المصريين بهذه الزيارة لأحد أهم الآلهة المصرية ولكنه لم يختارها مرة أخرى كعاصمة لمصر أو طيبة الأقصر، ولكنه اختار موقع مدينة جديدة فى منطقة راقودة وهى قرية للصيادين على الساحل الشمالى لمصر يقابلها جزيرة صغيرة، وأشار على قواده بربط هذه الجزيرة بالساحل لإنشاء مينائين وأطلق عى هذه المدينة اسم الإسكندرية على اسمه.



كذلك زارها عمرو بن العاص عند فتح مصر عام 641م، وعقد معاهدة جلاء الرومان على مصر والأمان للمصريين تحت حكم العرب المسلمين، وذلك لأهمية هذه المدينة وتعتبر "منف" ميت رهينة الآن إحدى القرى الصغيرة المصرية فقدت أهميتها كأهم مدينة فى مصر

§ ثانيًا: طيبة (الأقصر) 2062 – 950 ق.م:

بعد انهيار الدولة القديمة حدثت صراعات بين حكام الأقاليم واستقل كل حاكم بإقليمه وأصبحت مصر مكونة من عدة أقاليم يتناحر فيها الحكام بقية الاستيلاء على الإقليم الآخر، حتى استطاع الملك "منتوحتب الثانى" عام 2062 ق.م من إتمام الوحدة الثانية بين إقليم الشمال والجنوب للمرة الثانية، وهنا نجده لم يحافظ على العاصمة القديمة "منف"، لكنه اختار عاصمة إقليمه "واست" ومعناها الصولجان عاصمة له أسماها اليونانيين فيما بعد طيبة ثم من بعدهم العرب الأقصر.

ولم تهنأ "واست" كثيرًا فى عصر الدولة الوسطى حيث نجد أن ملوك الأسرة الثانية عشر أنشأوا عاصمة أخرى وهى "إست تاوى" اللشت حاليًا حتى دخول الهكسوس مصر عام 1675 ق.م، واستيلائهم على شمال ووسط البلاد واقتصر حكم المصريين على الجنوب ورجعت "واست" عاصمة للمصرين خلال عصر الاضمحلال الثانى وهى المدينة الرئيسة فى الجنوب التى انطلقت معها حرب التحرير بقيادة الملك "سقنن رع" وخلفه ابنه "كامس" ومن بعدهم "أحمس الأول" الذى استطاع طرد الهكسوس وتوحيد مصر للمرة الثالثة وغدت "واست" وهى العاصمة المصرية للبلاد للمرة الثانية فى تاريخها ومع بداية عصر الدولة الحديثة شهدت "واست" مع حكام مصر العظام مثل "أحمس الأول" و"تحتمس الثالث" و"أمنحوتب الثالث" و"ستى الأول" و"رمسيس الثانى" و"رمسيس الثالث"،

أصبحت "واست" أعظم مدينة فى العالم للإمبراطورية المصرية التى عمل ملوكها العظام على تأمينها وضرب على أى يد معتد سواء فى الشرق أو الجنوب أو الغرب وخلال 600 عام شهدت "واست" أعظم أمجادها حيث ترامت حدود مصر من شمال سوريا وغرب العراق وحتى أواسط أفريقيا فى الجنوب ونصف ليبيا فى الغرب وانهالت الجزية على مصر، وكذلك الوفود الأجنبية طالبين ود مصر وعقد العلاقات على المستوى الدبلوماسى والتجارى والعسكرى ونالت "واست" من حكامها الاهتمام الأعظم على مدار التاريخ الفرعونى واتسعت رقعتها وتنامت عمارتها بما زخرت من معابد عظيمة لازالت باقية حتى الآن تشهد بعظمة الحضارة المصرية،

مثل: معابد الكرنك، والأقصر، ومدينة هابو والرامسيوم إلى جانب المقابر الفخمة للملوك الفراعنة وزوجاتهم فى وادى الملوك والملكات وكذلك مقابر النبلاء والمعابد الجنائزية كفيلة بإعطائنا فكرة عن مدى ما وصلت إليه "واست" خلال عصر الدولة الحديثة حتى سميت عاصمة المائة باب. كذلك شهدت "واست" نشاطًا تجاريًا عالميًا لم تشهدها مدينة من قبل حيث كان لا يمر يومًا إلا وتوجد فيها وفود من آسيا ووفود من إفريقيا وليبيا مع غناها بالبضائع من كافة أنحاء العالم القديم تضاهى مدن "باريس" أو "لندن" هذه الأيام.



ومع مرور الزمن ونهاية الدولة الحديثة ودخول عصر الاضمحلال الثالث وتناول على مصر حكام من النوبة ومن ليبيا والفرس أهملت "واست" وإن كانت تحتفظ بمكانتها كأعظم مدينة فى مصر حتى غزا مصر الملك الفارسى "قمبيز" 525 ق.م، والذى قام بتدمير وسلب معابدها من كنوزها وحطم معظم معالمها وأخذ معه أهم فنانيها وغدت "واست" مدينة مدمرة مسلوبة بعد أن كانت عروس الشرق الأوسط. وظلت على هذا المنوال حتى نهاية عصر الفراعنة

وتنقلت العاصمة المصرية شمالاً وجنوبًا وشرقًا وغربًا حتى اختيار اليونانيين عاصمتهم الإسكندرية على الساحل الشمالى لمصر خشية أن يقاومهم المصريين داخل البلاد فى حال اتخاذهم "واست" عاصمة لهم وإن ظلت "واست" التى أطق عليها اليونانيين اسم جديد "طيبة" على اسم إحدى المدن اليونانية من أهم المدن لمكانتها القديم خلال العصور اليونانية والرومانية وحتى الإسلامية، وكأكبر وأهم مدن الوجه القبلى وأطلق عليها العرب اسم "الأقصر"، وذلك لكثرة ما وجدوه من مبانيها العظيمة.

وعدا "منف" و "طيبة" لم تحظى أى من المدن المصرية بشرف كونها عاصمة لمصر سوى بعض المدن الصغيرة مثل "أثت تاوى" اللشت وبعض المدن الصغيرة لفترات قصيرة جدًا كعواصم لمصر الفرعونية. وحتى مدينة "بر رعمسيس" صان الحجر التى بناها "رمسيس الثانى" لم يتخذها عاصمة سياسية للبلاد دون "واست" بل كمقر صيفى له ولأسرته وليس كعاصمة بها إدارة البلاد ومصالحها.

وهكذا نجد أن منف خلال الدولة القديمة وطيبة خلال الدولة الوسطى والحديثة والعصر المتأخر تبوأتا المكانة العليا بين مدن مصر الفرعونية كعواصم لمصر الموحدة.



No comments:

Post a Comment