Tuesday, October 16, 2018

بداية ونهاية الكون


منذ أن وجد الإنسان على هذه الأرض وهو يتساءل عن أصل الأشياء وأسباب تكوينها وكيفية تكونها ، ومن التساؤلات المهمة والقديمة والتي شغلت الأذهان هو السؤال المتعلق بأصل الكون وبتطور العقل البشري عند المصريين القدامى والبابليين حيث تم الربط بين أزلية الكون والآلهة المتعددة المسيطرة عليه وحاول فلاسفة الإغريق والرومان وضع نظريات للظواهر الكونية بينما ساد علم التنجيم في الحضارتين الهندية والصينية. أما الكتب السماوية فقد أجمعت على أن الله خلق السموات والأرض وما بينهما :


تبدأ  قصة الخلق في الفلكلور التوراتي القديم بطيران روح (يهوه) على الماء، قبل أن يخلق الأرض فيقوم بقتل تنين بحري يمثل تلك المياه، يدعى لوياثان  أو ( رهب ) كما جاء في المزامير


"  أنت شققت البحر بقوتك ، كسرت رؤوس التنانين على المياه. أنت رضضت رؤوس لواياتان لك النهار ولك الليل أيضاً. أنت هيأت النور والشمس، أنت نصبت كل تخوم الأرض الصيف والشتاء أنت خلقتهم " (المزمور 74: 13-17).


مع ظهور النظرية النسبية العامة التي وضعت الإطار الرياضي الصحيح لدراسة الكون و التطورات الهامة التي شهدتها الإنسانية في المجال الفلكي (Cosmology) على الصعيد النظري وكذلك على الصعيد الرصدي مع الاكتشافات الرائعة لأسرار الفضاء، كان لا بد من وضع نظرية عامة تقوم بإدماج تلك المعطيات مقدمة تصوراً موحداً ومتجانساً قصد تفسير أهم الظواهر الكونية ومنها نشأة الكون والنظرية الحديثة التي لاقت رواجاً بين العلماء هي


بدأ علماء الفلك يتحدثون عبر نظرية الانفجار الأعظم Big Bang Theory عن بداية الكون و ملخصها انه قبل حوالي 13.75 بليون (مليار) سنة وقع انفجاراً هائلاً في ذرة بدائية كانت تحتوي على مجموع المادة والطاقة وفي اللحظات الأولى من الانفجار الهائل ارتفعت درجة الحرارة إلى عدة تريليونات أدت إلى جزيئات ذرية وهي ذرات الهيدروجين والهليوم، ومن هذه الذرات تألف الغبار الكوني الذي نشأة منه المجرات فيما بعد، ثم تكونت النجوم والكواكب ـ وما زالت تتكون ـ وفي غضون ذلك كان الكون وما زال في حالة تمدد وتوسع، و لم يؤدي الانفجار الأعظم إلى ظهور جزيئات ذرية جديدة فقط بل اوجد مفهومي الزمان والمكان اللذين كان يستحيل الحديث عنهما قبل المادة.


و العلماء الذين أسسوا نظرية الانفجار العظيم عديدين، ولكن أبرزهم: القس البلجيكي جورج لوميتير (George Le Maitre) الذي اقترح سنة (1927) صورة جديدة لنشأة الكون وتطوره، وقد وافقه على ذلك جورج كاموف (George Gamov) و استدلوا في ذلك من عدة ظواهر تشير إلى حدوث الانفجار العظيم :


لاحظ العلماء بأنه في كل مكان من الكون هناك مجرات (Galaxies) تتباعد إحداها عن الأخرى بسرعات هائلة جداً, وعمل "أدوين هابل (Edwin Hubble)" في النصف الأول من القرن العشرين على تطوير هذه الاكتشافات وقام بوضع قانون عرف باسمه .


في عام (1948) توصل العالم "جورج كاموف "George Gamovإلى أن الكون قد تشكل فجأة بعد انفجار عظيم وتخلف عنه كمية محدودة من الإشعاع الذي يجب أن يكون متجانس عبر الكون كله.


-         وفي عام (1964) قام باحثان هما (آرنو بنزياس) (Arno Penziaz) و (روبرت ويلسون) (Robert Wilson) بإجراء تجربة تتعلق بالاتصال اللاسلكي وبالصدفة عثرا على إشارات راديو منتظمة الخواص، قادمة من كافة الاتجاهات في السماء وفي كل الأوقات وبصورة مستمرة ، وفُسرت هذه الإشارات على أنها بقية الإشعاع الذي نتج عن عملية الانفجار الكوني العظيم وقد تحققت وكالة ناسا (NASA) الأمريكية عام (1989) من النتائج التي توصل إليها كل من ينزياس وويلسن بإرسال قمر صناعي إلى الفضاء أسموه (COBE) وهو مختصر لعبارة (Cosmic Background Explorer) والتي تعني (مستكشف الخلفية الإشعاعية) كان الغرض من إرساله التحري عن الموجات الكونية الدقيقة (Cosmic Microwave) ، واحتاج هذا القمر إلى ثماني دقائق فقط للعثور على هذا الإشعاع وقياسه، وقد أثبتت هذه الدراسة تجانس مادة الكون وتساويه التام في الخواص قبل الانفجار وبعده.


تشير الدراسات الحديثة عن توزيع العناصر المعروفة في الجزء المدرك من الكون إلى أن غاز الهيدروجين يكون أكثر قليلاً من (74%) من مادة الكون، ويليه في النسبة غاز الهليوم الذي يكون حوالي (24%) من تلك المادة ، ومعنى ذلك أن أخف عنصرين يكونان معاً أكثر من (98%) من مادة الكون المنظور، أما بقية العناصر مجتمعة (عدد العناصر المكتشفة هو 105 عنصر) فتكون أقل من (2%) من مادة الكون ، فان هذه النسب تؤكد أن للكون بداية ، لأنه لو كان الكون بلا بداية فمعنى ذلك أن كل غاز الهيدروجين يجب أن يكون قد احترق وتحول إلى غاز الهليوم.


تمكنت ناسا (NASA) من تحديد عمر الكون على وجه الدقة بمساعدة مجس فضائي،  قائلة إنه يبلغ 13.75 بليون سنة ، كما استطاعت تحديد تاريخ بدء النجوم بالتوهج واللمعان بأنه بدء بعد 200 مليون عام فقط من "الانفجار العظيم" ، وقد تمكن علماء ناسا بواسطة المجس الفضائي ان يتعمقوا في الزمن والنظر إلى الكون " النظر إلى الوراء حتى 380 ألف عام " بعد الانفجار العظيم عندما لم تكن هناك نجوم ولا مجرات ولا شيء سوى فروق طفيفة في درجات الحرارة.


نهاية الكون


وضع العلماء ثلاث نماذج تعبر عن نهاية الكون:


نموذج الكون المفتوح Open Universe


يتوقع فيه العلماء أن الكون سوف يستمر في التوسع إلى مالا نهاية، وذلك بافتراض استمرار قوة الدفع إلى الخارج بمعدل أقوى من قوى الجاذبية التي تشد الكون إلى الداخل في اتجاه مركزه.


نموذج الكون المغلق Closed Universe


يتوقع فيه العلماء أن الكون سوف تتباطأ سرعة توسعه مع الزمن ومع تباطئه تتفوق قوى الجاذبية على قوة الدفع نحو الخارج، فتأخذ المجرات بالاندفاع نحو مركز الكون بسرعة متزايدة، فيبدأ الكون في الانكماش والتكدس على ذاته، وتسمى عملية تجمع الكون وعودته إلى وضعه الأصلي بنظرية الانسحاق الكبير (Big Runch Theory).


نموذج الكون المتذبذب Oscillating Universe


يتوقع فيه العلماء أن الكون غير ثابت فتارة يتمدد وأخرى يتقلص وينكمش ليكون كتلة واحدة مثل الثقب الأسود (Black Hole).


نظرية الكون المتعدد Multiverse


هناك تصور بأن هناك كون متعدد Multiverse يتكون من 7 أكوان فقاعية ولكنها منفصلة عن بعضها وباستمرار في الزمكان (الزمان والمكان)، لكل منها قوانين وثوابت فيزيائية مختلفة ، وربما أيضاً أبعاد وطبولوجيات مختلفة ، إذ تقترح بعض النظريات أن هذا الكون ليس إلا واحد من مجموعة أكوان غير متصلة ببعضها وهي فكرة بديلة عن النظرية التي تقول بأن كوننا يضم كل شيء . وحسب التعريف لا توجد أية طريقة ممكنة في أن يؤثر أي شيء في الكون على كون آخر إلا إذا كانوا جزءا من الكون نفسه، وهذا لا يتفق مع الأفلام التي تصور بعض الشخصيات الخيالية تسافر بين أكوان متوازية تخيلية parallel universes ، وهو استخدام غير دقيق وبعيد عن مصطلح " الكون ".


تصور هذه الأكوان على أنها وحدات منفصلة عن بعضها ، وأن لكل منها مكانه وزمانه ومادته وطاقته وقوانينه الفيزيائية الخاصة ، وهذا المفهوم يتحدى مصطلح الأكوان المتوازية لأنه لا يعترف بوجود أكوان متزامنة (لأن لكل منها زمنه الخاص ) أو بطريقة هندسية متوازية .


وينبغي التمييز بين هذه الأكوان والمفهوم الميتافيزيقي البديل عن مستويات الوعي لأن مستويات الوعي ليست فيزيائية أصلاً بل متصلة بجريان المعلومات فقط، يعتبر مفهوم الكون المتعدد قديم جداً،


هناك أمران يستند إليهما العلم في مناقشة الأكوان المتعددة وهما


ليس هناك ما ينفي وجود عدة زمكانات مستمرة ومنفصلة عن بعضها البعض فمن المفترض حصر كافة أشكال المادة والطاقة في كون واحد بدون أن يكون هناك نفقاً بينه وبين أكوان أخرى. وتعتبر نظرية من هذا القبيل كـ النموذج التضخم الفوضوي لبدايات الكون The Chaotic Inflation Model مثالاً على تلك الفكرة .


وفقاً لفرضية العوالم المتعددة ، فإن كوناً متوازياً يولد مع كل قياس كم، ويصبح للكون نسخاً أخرى بالتوازي ، يتفق كل منها مع ناتج مختلف من كل قياس كم. ومع ذلك ، كل المصطلحات حول "الكون المتعدد"هي مصطلحات متضاربة ويمكن النظر إليها على أنها غير علمية ، ولا يُعرف أي إختبار تجريبي واحد في الكون يمكن أن يكشف عن وجود كون آخر أو عن خصائصه لأنه لا يملك أي تفاعل مع كوننا.


قال عالم الفيزياء بول ديفيز Paul Davies


لقد دلت الحسابات أن سرعة توسع الكون تسير في مجال حرج للغاية ، فلو توسع الكون بشكل أبطأ بقليل جداً عن السرعة الحالية لتوجه إلى الانهيار الداخلي بسبب قوة الجاذبية ،ولو كانت هذه السرعة أكثر بقليل عن السرعة الحالية لتناثرت مادة الكون وتشتت الكون ، ولو كانت سرعة الانفجار تختلف عن السرعة الحالية بمقدار جزء من مليار مليار جزء لكان هذا كافياً للإخلال بالتوازن الضروري لذا فالانفجار الكبير ليس انفجار اعتيادياً ، بل عملية محسوبة جيداً من جميع الأوجه ، وعملية منظمة جداً ويقول: إن من الصعب جداً إنكار أن قوة عاقلة ومدركة قامت بإنشاء بنية هذا الكون مستندة إلى حسابات حساسة جداً ، إن المعايير الرقمية الحساسة جداً والموجودة في أسس الموازنات الحساسة في الكون دليل قوي جداً على وجود تصميم على نطاق الكون ".


No comments:

Post a Comment