البراكين إحدى أسوء الكوارث الطبيعية وأكثرها زعرًا. الكوارث محدقةٌ
بالبشرية منذ حداثتها لم تتوقف يومًا لحكمةٍ عليا لن نكون يومًا بعقولنا البشرية
المقيدة قادرين على الإحاطة بها، بعضها جلبها الإنسان على ذاته وبعضها كان بدون
بخصوصٍ له ولا قوة، بل من المحتمل كان بعضها تذكيرًا له بما قد ينساه في بَعض
الأحيان في غمار تقدمه وتفوقه التكنولوجي والعلمي وبين أبراجه العالية وحصونه
القوية أن هناك دومًا قوةً إلهية قادرةٌ على تغيير أبراجه وحصونه وعلمه
وتكنولوجيته لترابٍ وعدم، البراكين كانت واحدةً من هذه الكوارث أو من هذه المصائب
أو من هذه المعجزات التي تقوم بتقديمها الطبيعة لكنها ليست بالمعجزة السارة أبدًا،
غيرت معالم الأرض وحياة أفرادٍ ومستقبل دول، محتهم من على الخريطة من حين لآخر
لكنك ستعجب حين تعلم أنها أعادت تشكيل الخريطة ثانيةً لتعيد القلة منهم للوجود،
صحيحٌ أن دورها ما بين الهدّام والبنّاء لا يكون ذا مقدارٍ أو معنى في لحظة
الكارثة بين الدمار والفقدان والموت سوى أنها واحدةٌ من مسلمات عالمنا وجزءٌ من
واقعه لا بد أن نقبله، فهاك رواياتًا لبعض البراكين التي لم تتمكن البشرية يومًا
من عدم تذكرها مهما مضى عليها الدهر.
بركان فيزوف
من أشهر وأقدم البراكين على أرضنا له رواياتٌ تاريخية ودورٌ في دفن
حضاراتٍ تحت حممه ورماده وإخفائها في غياهب عدم التذكر لسنين وربما لقرونٍ ايضا،
يُأفاد أنه البركان الثائر الأوحد في قارة أوروبا يحدث في إيطاليا في شرق مدينة
نابولي، كانت أولى ثوراته في العام 79 قبل الميلاد وهي من أضخم وأطول ثورات
البراكين التي واصلت 16 عامًا متتالية ونتج عنها الهزات الأرضية والاهتزازات
والتشققات الأرضية وتغيراتٌ في شكل الأرض سواءً فوق سطحها أو تحته، وقد كان تفجر
الغازات التي كانت مضغوطةً بداخله رهيبًا غطى مدينتي بومبي وهيركولنيوم تمامًا
بأهلها وهم أحياء رغم محاولتهم الهرب والنجاة بأرواحهم لكن الوفاة كان أسرع منهم
فقضى عليهم، دفن هذا البركان الثائر جزءًا من الحضارة الرومانية مع أهلها لسنين
طويلة تحت رماده حتى تمكن الناس في القرن الثامن عشر من أحياء الزمن الفائت وإيجاد
الضائع تحت الركام والرماد واسترجاع جزءٌ ضائعٌ من الزمان الماضي ليحكي عن ذاته
ثانيةً، كانت هذه ثورته الأولى لكنها لم تكن الأخيرة ففي عام 1631 ثارت الثائرة
ثانيةً ليقتل عشرات الآلاف بحممه البركانية الحارقة ويكون السبب في كارثةٍ حديثة،
بركان فيزوف لم يهدأ حتى اليوم صحيحٌ أن كل ما ينبعث منه هي الغازات الحارقة فحسب
لكن الإيطاليين تعلموا درسهم وصاروا متحفزين للبركان يراقبونه عن كثب ويتحينون
أسفل المتغيرات منه ليصبحوا مستعدين للقادم وحتى لا يفاجئهم
.
بركان مونت بيليه
وإلى الطرف الذي بالشمال لجزر المارتينك في البحر الكاريبي حيث يحدث بركان
مونت بيليه الثائر المشتعل، كان أول نشاطٍ مسجلٍ له في عام 1630 ويظهر أن ذلك
البركان الغاضب لا يتوقف عن نفث الحمم والغازات الحارة من فوهته التي تكونت عبر
السنوات نتيجة لـ حممه الساخنة، يثور البركان ويرغي ويزبد فيلفظ ما بداخله لتسيل
الحمم من جوانبه فتحفرها وتكونها وتشكل ذروته التي ما لبثت أن بردت ليعيد تشكيلها
مرةً أخرى، ثار ثلاثة مراتٍ كبرى في أعقاب عام 1630 كان آخر واحد منها في عام 1902
ليتسبب في عشرات الآلاف من الضحايا هو أيضًا قيل أن عددهم بلغ ثلاثين ألف ضحية
مدمرًا مدنهم وبيوتهم وخاطفًا أرواحهم، بعدها كان له عديدة أنشطةٍ خمد بعدها إلا
أن غير ممكن التوقع بما يحمله لنا من مفاجآت.
بركان كراكاتوا
إن كنت تعتقد أن قنبلتي هيروشيما وناغازاكي هما الكارثة الأضخم والأقوى في
تاريخ البشرية فعليك أن تعيد التفكير حين تسمع عن بركان كراكاتوا، الذي داع تفجرًا
عظيمًا قوته تعادل قوة تفجر ثلاثة آلاف قوة تفجر عبوة ناسفة هيروشيما! جزيرة
كراكاتوا كانت بين جزيرتي جاوا وسوماترا في إندونيسيا حيث اشتهرت هذه الأنحاء
بانتشار البراكين لكنها كانت يومًا ما هامدة، بدأ الشأن بانفجاراتٍ عظيمةٍ تحت
الأرض تنفث رمادًا وسحبًا سمراء من الفوهات البركانية الشائعة، عقب هذه الانفجارات
أتت انفجاراتٌ أكثر قساوةًا منها ولكن تلك المرة كان ارتجاف الأرض عنيفًا شعر به
أهالي الجزر المحيطة جميعًا وانفجرت فوهة البركان الأساسي ومع انفجارها انفجرت
فوهات جميع البراكين المحيطة به وبدأت العاصفة البركانية، ظن الجميع أن هذه
الخاتمة إلا أن الحقيقة أنها كانت مطلع الخاتمة ففي واحد من الأيام بلغ التفجير
لذروته واختفت على إثره الجزيرة
آثار وخسائر بركان كراكاتوا
حدثت خسائر عظيمة في الأرواح والأموال لا واحد من ينكر هذا إلا أن الكارثة
الأضخم كانت اختفاء جزيرة كراكاتوا من على سطح البحر تمامًا، كان التفجير مدويًا
لدرجة أن كل مناطق آسيا سمعوا دويه ملحوظًا كما سجلت أجهزة قياس الضغط بشأن العالم
قراءة موجات الضغط التي أنتجها التفجير، بل إن هذه الموجات دارت بشأن الأرض عديدة
دوراتٍ حتى تهدأ لتصنف أعلى ضوضاء عرفها الإنسان منذ مطلع الأرض، وقد كان الغبار
واحدًا من هذه النتائج الذي تصاعد في الأحوال الجوية حاجبًا أشعة الشمس عن الأرض
ليدخل العالم كله في موجة صقيع حتى تلاشى الغبار ، وبعد وقتٍ ظهرت جزيرةٌ حديثة
نتيجة لـ الرماد البركاني الذي تسببت فيه هذه الكارثة على سطحها بركانٌ حديثٌ ثائر
تمت تسميته بابن بركان كراكاتوا زكان رماده البركاني صاحب الفضل في تشييد جزيرة
كراكاتوا وإعادتها لحجمها الأول
بركان إتنا
وإلى صقلية بإيطاليا حيث يكمن واحدٌ من أضخم وأكثر براكين العالم ثورانًا،
إلى بركان إتنا الذي سجل منذ عام 475 قبل الميلاد ما يقترب من 400 ثورةٍ بركانية،
يبقى بركان إتنا على الساحل التابع للشرق لجزيرة صقلية وقد كان العرب قديمًا
يسمونه جبل النار وهو اسمٌ استحقه عن كفاءة نتيجة لـ كل هذه الثورات المتفجرة في
داخله والتي تنسكب من فوهاته، طبعا فوهات فهذا البركان الكبير جدا لم يكن ينثر
الحمم الحارقة من فوهةٍ واحدةٍ يتيمةٍ في ذروته وإنما تناثرت الفوهات على جوانب
ارتفاعه الشاهق تساهم الفوهة الأساسية في عملها كانت له في تاريخه عديدة ثوراتٍ
عنيفة ومدمرة إحداها كانت عام 1669 عندما تسبب البركان في إزهاق روح ما يقترب من
العشرين ألف فرد في واحدة من ثوراته، اليوم لم يعد ذلك البركان عنيفًا بهذه الدرجة
ولم يعد يزهق الأرواح ويحرق الممتلكات والأموال لكنه لا يزال في وضعيةٍ نشطةٍ تدفع
الناس لمراقبته والتربص بأي متغيراتٍ فيه، كما تطلع الأبخرة والغازات الساخنة من
فوهاته الجانبية المتغايرة إلا أن الواقع أن الناس باتوا يتعايشون بسلامٍ مع ذلك
البركان الغاضب من تاريخ ما قبل الميلاد ويبنون المنازل ويفلحون الأراضي ويزرعون
المزروعات المتغايرة نحو سفحه نفعً من تربته الخصبة
.
بركان سانت هيلين
كان ذلك البركان واحدًا من أشد وأغرب وأفظع البراكين التي مرت على تاريخ
البشرية، فهو لم يكن مجرد بركانٍ راح ضحيته ضحايا أبرياء فحسب وإنما راحت الأرواح
والأراضي وشكل سطح الأرض وتكوينها والنظريات الجيولوجية ضحيتها، كانت نظرية التقدم
الجيولوجي في هذا الوقت تجاهد لنبذ دور الكوارث والظواهر الطبيعية في إحراز
التحويل في شكل الأرض وطبقاتها وجيولوجيتها، كان هذا حتّى أتى بركان سانت هيلين
الجبار ليغير الأرض تحويلًا كامِلًا أثناء عديدة ساعاتٍ فحسب وهو ما كان وفق
العلماء تحويلٌ تدريجي يتطلب لعقود! ذلك هو بركان سانت هيلين يا سادة واحد من أضخم
وأشهر البراكين الواقعة في ولاية واشنطن وأتى اسمه تيمنًا بالسير الإنجليزي سانت
هيلين، كان أجمل معالم واشنطن الطبيعية وأكثرها بهاءً وجاذبية بقمته المكللة
بالجليد الأبيض اللامع تحت أشعة الشمس والأودية والغابات الغزيرة المحيطة به مع
بحيرته التي بالشمال النظيفة الصافية، واستمر هذا حتى عام 1980 تحديدًا شهر شهر
مايو عندما اندفعت الزلازل من تحت هذا البركان الرهيب مسببةً تراكم الضغط بداخله
لينفجر تفجرًا كبيرًا تسبب في شطر الجبل لنصفين وإتلاف الغابات المحيطة به أثناء
دقائق! كانت هذه الكارثة داعًا في حدوث أشد وأعنف سلسلة انهيار صخري شهدتها
الولايات المتحدة الامريكية الأمريكية أثناء تاريخها كلها، قيل أن تفجر هذا
البركان كان يعادل عشرين عبوة ناسفة نووية مثل هذه التي سقطت على هيروشيما في قوته
وتسبب أثناء الساعات الأولى في إتلاف 1/4 ذروة البركان واختفائها وطمر النهر الذي
بالشمال تمامًا ليتحول المرأى الجميل الجذاب قبل مرور عشر ساعاتٍ من طليعة الكارثة
إلى أرضٍ قفرٍ مرعبة بدون حياة، ذاب كل الجليد الجميل الذي كان إطارًا بالقمة
ليمتزج مع الرماد والحمم البركانية ويسيل أسودًا كئيبًا على جوانبه في كتلٍ من
الطين شقت سبيلها إلى المحيط الأطلنطي، أما غيمة الدخان والضباب التي أطلقها ثوران
البركان قيل أنها كانت من الكبر أن غطت ما يقترب من 11 ولاية أمريكية
.
بركان بيناتوبو
وإلى الفلبين حيث بركان بيناتوبو الذي تم تصنيفه كثاني أضخم وأسوأ بركان في
القرن العشرين، كان هذا الجبل قبل ثورانه الكبير جدا العنيف عام 1991 ملاذً
ومسكنًا لجماعةٍ من السكان الأصليين كانوا هاجروا من أراضيهم وفروا بأرواحهم من
الاضطهاد الأسباني الذي أجهدهم وأذاقهم الويلات، سكنوا سفح البركان والمناطق
المحيطة به وبنوا بيوتهم ومنازلهم وزرعوا الأراضي ورعوا الأغنام والماشية في سلام،
رغم أن التنبؤات والأرصاد تنبأت بحدوث التفجير البركاني ما أنتج إجلاء الآلاف من
الناس وإنقاذهم من خطر الوفاة سوى أنه غير ممكن الجزم بأن الضحايا لم تقع والأرواح
لم تُزهق فقد بلغ عددهم للمئات وقاربوا الألف ضحية، ناهيك عن الخسائر العينية في
المنازل والأراضي الزراعية، إلا أن بركانًا كبير جداًا كهذا لم يكن أثره إقليميًا
وخسائره مقيدةً في تلك الخسائر فحسب وإنما كانت آثاره ونتائجه دولية، فأدت الغازات
الكبيرة المندفعة من فوهة البركان إلى طبقةٍ غزيرةٍ من الشبورة الدولي وضعت بصمتها
وتأثيرها على الأوزون وتسببت في انخفاض درجة السخونة الدولية في جميع مناطق العالم
.
بركان إيافيالايوكل
كان ذلك البركان في آيسلندا واحدًا من أجدد البراكين التي مرت على تاريخ
البشرية فاندلاعه الكارثي كان في عام 2010، بدأت حكاية هذا البركان بزلازل وهزات
أرضية في خاتمة عام 2009 والتي تسببت في أول ثورة بركانية له بشهر آذار من عام 2010،
تلتها في أعقاب هذا ثورةٌ أضخم وأخطر في الشهر الأتي وحين التقت الحمم البركانية
بالجليد تسببت في كارثةٍ جوية عطلت حركة النقل الجوي شمال وغرب أوروبا مؤثرةً على
ملايين المصالح والمسافرين معًا تاركةً ما ليس أقل من عشرين جمهورية أوروبية تجثم
في الغشاوة والغيوم البركانية، كانت هذه الأجازة الجوية الأولى من نوعها التي
شهدتها أوروبا في أعقاب الحرب الدولية الثانية، فليست الحروب وحدها هي القادرة على
وقف العالم فجأةً عن الحركة.
البراكين حكايةٌ لا تنتهي وكارثةٌ من كوارث الطبيعة التي لن نملك يومًا أن
نوقفها أو ندحضها فمهما وصل الإنسان من قوةٍ وعتي سيبقى دومًا ما هو أضخم منه
وأقوى، ما سيجعله تعويضًا من أن يقف في وجه ظاهرةٍ كبيرة جداٍ كهذه ويقاومها ينسحب
فحسب من سبيلها محاولًا النجاة بأقل الخسائر.
No comments:
Post a Comment