Tuesday, October 23, 2018

اسطورة علي الزيبق المصري


من أشهر شخصيات الشطار في الأدب الشعبي . وتدور قصته حول اختبار قدرة البطل على القيام بعمل أو التغلب على عدو أو التخلص من مأزق أو العثور على شئ نفيس دونه الأهوال . وقد تحول بطل هذه الحكاية من الابن الثالث الذي ينجح فيما يفشل فيه أخواه إلى واحد من الشطار الذين حفروا أسماءهم في الذاكرة الشعبية فوضعتهم في مكان أولئك الفتيان .


وفي هذه الحكاية يقوم الصراع في عمومه على الظفر بأرفع المستويات الادارية مثل مقدمي بغداد . ولقد عمل علي الزيبق في حكايته على استكمال مقومات الشطارة وما ينبغي لها من معارف ومواهب وخبرات . وهكذا كان الصراع بين " دليلة المحتالة " وبين " علي الزيبق " على مقدمي بغداد أو كانت الوسائل لتحقيق انتصار البطل عبارة عن مجموعة متعاقبة من الاختبارات التي أطلق عليها مصطلح " الملاعيب " .


وتساير حكاية علي الزيبق المصري ما شاع في بعض الملاحم من ابراز مكانة الأم وتظهر خصائص الأمومة أو الأم المقدمة أو الأم المثالية . والأمومة في حكاية هذا الشاطر تختلف عنها في سيرة الظاهر بيبرس لأن الأخير كان مملوكاً شارداً منتزعاً من بيئة وطنه . أما في حكاية " علي الزيبق " فإن الأم ترعى ابنها طوال عمره وتخلصه من أكثر المآزق التي يقع فيها أو يوقعه فيها خصومه . وهي في الوقت نفسه تجيد التنكر وتتقن الحيلة وتنهض بأعباء الرجال .. ويمكن أن نصف سلوكياتها بالحماية التي تصل إلى حد الوحشية لابنها مثلما تفعل أنثى الأسد . أما لقب الزيبق فقد استمد من قدرة صاحبه على التشكل وسرعة الحركة وصعوبة الامساك به .

علي الزيبق هو شخصية من التراث المصري. فحكاية علي الزيبق يكاد يعرفها كل المصريين تقريباً، وخاصة بعد أن تم تنفيذها كمسلسل تلفزيوني بإسم علي الزيبق (مسلسل). وتدور أحداث تلك الحكاية بين مصر وبغداد، وتحكى قصة «فساد» كبيرة يشترك فيها كل أطراف السلطة، ابتداء من الخليفة وانتهاء بالعسكر والعسس، والكل في دائرة الفساد مشترك، ومن كثرة الفساد أصبحت مقولة «حاميها حراميها» قولاً وفعلاً، فالمسئول عن حفظ الأمن والملقب باسم «المقدم سنقر الكلبي»، أراد الوالي تجنب فساده وسرقته فجعله على رأس جهاز الأمن ليضمن أنه لن يسرق إلا بإشرافه وتحت رعايته.

أحداث هذه السيرة تلقى الضوء على حياة المقدم "حسن راس الغول" والد علي الزيبق، وصراعه مع ثنائي الشر المستعر، المقدم «سنقر الكلبي» ،والمقدمة «دليلة العراقية المحتالة»، اللذين تكالبا على «راس الغول» وأهلكاه، وجاء «علي» لينتقم من هذا الظلم والطغيان، خلافاً لرغبة أمه "فاطمة الفيومية"، التي كانت تريد لابنها حياة آمنة مستقرة، إلا أنه سلك مسار أبيه في الانتقام من سنقر الكلبي، ولقد حارب الزيبق «سنقر الكلبي» بالحيلة والذكاء فتغلب عليه وعلى دليلة، واستهزأ به أمام العامة والخاصة، وحينما تسوء الأمور، تظهر الأم لتدافع عن ابنها وتنقذه من المهالك مرة بعد مرة.

احتلال «الزيبق» لهذه المكانة المتميزة في عقول المصريين وقلوبهم جاء نتيجة ما يمثله هذا اللص الشريف من تحقيق قيمة العدل، المبنى على أساس أن الجزاء من جنس العمل، فكما تسرق السلطة أقوات الناس وأحلامهم، يسرق الزيبق ممثل الناس السلطة التي استولت على الثروات بالبطش والطغيان، وما «الزيبق» إلا مندوب لإعادة توزيع هذه الثروة المنهوبة فهو كان نصير المظلومين دائماً.

أهم ما يميز قصة علي الزيبق هى علاقته بأمه التي كانت على قدر كبير من الحساسية والجمال، فاطمة الملقبة بـ«أنثى الأسد»، لا تلقى بابنها إلى التهلكة، لكنها أيضاً لا تحرمه من الأخذ بحقه، والاعتراض على الظالمين، وإذا اشتد الكرب، ونفدت حيل «الشاطر» وبات على بعد خطوات من الموت تظهر فاطمة لتنقذ ابنها من الموت، بشجاعة واستبسال، فإذا غرر به أحد وأرسله إلى الصحراء ليموت من الجوع والعطش، جاءت إليه لتطعمه وتسقيه، وإذا التف حول رقبته حبل المشنقة جاءت إليه لتنقذه بشجاعة ألف فارس، وإذا فشل في حبه واكتشف غدر حبيبته ضمته إلى صدرها الدافئ لتعوضه عن حنانه المفتقد، وهذه هى الأم التي تتصدر مشهد البطولة دائما، والتي يقول عنها ناقدو الأدب ودارسوه إنها ترمز للأرض أو الوطن، والتي لا تطالب أبناءها بما لا يستطيعون، لكن إذا اكتشفت أنهم على قدر المسئولية ساعدتهم، ووقفت بجانبهم، حتى لو كانوا لصوصاً، في زمن لا يقدر فيه المرء أن يأخذ حقوقه المسلوبة إلا بالسرقة.

No comments:

Post a Comment