الأرواح الغارقة أرواح فضلت الراحة تحت الماء في هذه الأماكن التي من
المستحيل على واحد من تقريبًا الوصول إليها، تفضل الأرواح الغارقة الراحة في الماء
لأنه مريح لها. إن الأشباح كما هو معلومٌ عنها هي نتيجة وثمرة وفاةٍ عنيفٍ أو
عملية قتلٍ أو طاقةٍ سلبيةٍ هائلةٍ أدت إلى عدم رحيل الميت بسلام وإنما يوجد شبحه
في موضع وفاته هذا يدور في المقر الذي فقد حياته فيه لوقتٍ لا ندري نهايته فربما
بلا انقطاع بدون انصرام وحتى ينهار العالم، وإن وضعنا لائحةً بوسائل الوفاة
الشديدة أو المريعة التي قد يحظى بها القلة فلا تقل لي أنك على تأهبٍ لحذف الوفاة
غطسًا من هذه القائمة! الغرق واحدٌ من أصعب وأسوأ وأبطأ أساليب الوفاة تماما وإن
تمنى المرء شيئًا فليتمنّ ألا يلقى حتفه غطسًا أو حرقًا! أسلوبٌ للموت كهذه من
الطبيعي أن نستنتج تكون ملايين الأشباح كناتجٍ عنها إلا أن الحقيقة أن كثيرين لم
يتخيلوا هذا ولم يخطر لهم ببالٍ قط أن تبقى الأشباح تحت الماء كما تبقى في الأماكن
المهجورة أو العامرة على اليابسة.
هناك بعيدًا في قلب المياه وبعيدًا عن اليابسة المعروفة المألوفة الآمنة
تسكن المياه أو تموج بما في قلبها من ظلمةٍ وغموض، بيئةٌ مستعدةٌ ومستعدةٌ تمامًا
لاستقبال الضائعين وقتلهم قتلًا بطيئًا ودفنهم في أعقاب هذا في صحائف المجهول
فبعضهم يُأعلن سره والبعض الآخر يَبقى مدفونًا هناك أبديا، كم عدد الراقدين تحت
المياه؟ ملايين على أدنى تقييم سفنٌ تحطمت وطائراتٌ على الارجح وزوارق وعمليات
قتلٍ متعمدة وقرصنةٌ بحرية على مر الزمان الماضي أدت إلى ملايين الضحايا والوفيات
في قلب المياه، ناهيك عن البلاد الساحلية حيث يلقى حتفه فيها عددٌ لا بأس به من
الناس إما غطسًا أو انتحارًا بغاية، ومن هنا بدأت المياه كما اليابسة تعج بالوجع
والعنف والموت والأشباح.
الأرواح الغارقة
كان من الطبيعي أن يكون المتعاملون مع المياه على نحوٍ قريبٍ ودوريٍّ أول
من يبدأ بالشعور بوجود أشباح الغارقين تحت سطح الماء تحيط بهم وتطاردهم كالصيادين
والغواصين وغيرهم، بل إن ولاية فلوريدا التي انهار فيها كوبريٌ موديًا بحياة مئات
الضحايا غطسًا في مياهها تتمتع بنوعٍ خاصٍ رسميٍّ من الغواصين المتخصصين في البحث
في ميدان الظواهر الخارقة وما خلف الطبيعة وأضخم ما شغلهم كانت قضية الأشباح
الغارقة، برغم تدهور الدلائل وقلة المعطيات في تلك القضية سوى أنهم لم ييأسوا فيها
خاصةً أن القلة كان جمهورية مصر العربيةًا على رأيه كالجحيم، يقول الغواصون هناك
أنهم نحو الغوص في المياه يسمعون هسهساتٍ وأصوات ويرون ظلالًا تتحرك من حولهم في
المياه وبعضها ضحكات وبعضها همسات كأن هناك حياةً أخرى هم عاجزون عن مشاهدتها
وليست من غير شك حياة الكائنات البحرية، وقد كان القلة الآخر قادرًا على التقاط
صورٍ غامضةٍ وغير جليةٍ تبدو فيها بعض الكيانات أو الظلال مدعيًا أن ذلك هو الشبح
الذي رآه، لم يستطع واحد منٌ التأكيد لكنهم لا يرغبون في الإنكار.
واختلفت الأماكن التي ترجحت فيها رؤى كهذه ففي معركة الموقعة الكبرى التي
حدثت بين الولايات المتحدة الامريكية ودولة اليابان وغرقت فيها السفن والآلات ما
زال العديد من الغواصين يجزمون بسماع أصوات بشرٍ تحت المياه وأصوات الآلات تعمل
ومحركاتها تهدر رغم أنه عفى عليها الدهر! لم يكن قلب المياه هو موقع الأقوال
المشهور فحتى سطحها كان يموج بكثيرٍ من الظلال والأشكال الغير جلية التي جعلت
كثيرين يؤمنون بكونهم أشباحًا ينظرون إليهم من الوسط الآخر ويحدقون بهم وربما
يرغبون في مطاردتهم، وهي ليست بفكرةٍ بعيدة بعدما شاعت نكبات خطْف غواصين في قلب
المياه إستيعاب يذهبون إلى المياه سفرية ذهابٍ بدون رجوع ولا يعلم واحد منٌ مكانهم
عقب هذا أبدًا وكأنهم لم يكونوا يومًا، فهل غيرت الأشباح نشاطها من الترهيب
والتخويف للخطف وجعل القلة يلاقي نفس المصير الذي لاقوه؟
No comments:
Post a Comment