في عام 1942 وفيما كانت الشكوك تحيط بما سـتؤول إليه الحرب العالمية
الثانية كانت تساور الولايات المتحدة الأمريكية مخاوف من هجوم ياباني مرتقب على
الساحل الغربي ، يصف المؤرخ العسكري والكاتب كارول غلينز المشهد آنذاك فيقول:"كانت
هناك معلومات وافية عن وجود غواصات يابانية عاملة على مسافة من الساحل الغربي
للولايات المتحدة الأمريكية، حيث كان من المتوقع حدوث المزيد من الهجمات بعد
الهجوم الذي حصل في منصة لتكرير البترول في سانتا مونيكا بالقرب من مدينة لوس
أنجلس ". استجابت القوات البحرية لتلك التهديدات ولذلك وضعت 12 منطاداً في
الخدمة لكي تحرس وتمشط ساحل كاليفورنيا ضمن إطار برنامج إيرشيب سكواردرون 32 ،
كانت معظم مراحل البرنامج تسير بهدوء وييسر إذ لم تسجل أية حادثة ، استمر ذلك حتى
شهر أغسطس 1942 عندما تحطم إحدى المناطيد والذي يحمل الرقم (L-8)وهوى على شارع في مدينة دالي في ولاية كاليفورنيا، إلا أن
أفراد الطاقم والمؤلف من شخصين الذين على متنه لم يعثر لهم على أثر ، في ذلك اليوم
ولدت أسطورة المنطاد الشبح .ومازال من الصعب تصديق حقيقة عدم تمكن أي أحد من رؤية
أفراد الطاقم ، كما لم يعثر على رفات جثثهم إطلاقاً ، وما زال اختفاؤهم لحد الآن
لغز حقيقياً على الرغم من مرور أكثر من 60 عاماً !
بدأت أسطورة المنطاد الشبح في شهر أغسطس 1942 وتحديداً في مدينة سان
فرانسيسكو ، ففي الصباح الباكر ليوم صادف يوم الأحد كان أفراد الطاقم يستعدون
للإقلاع ضمن الرحلة 101 وهما الملازم إرنست ديويت كودي (27 سنة) والمساعد تشارلز
إيليس أدامز (34 سنة) اللذان كانا على مستوى جيد من الخبرة والكفاءة (وهذا ما جعل
من الأحداث التي وقعت خلال الساعات الخمس القادمة أكثر غموضاً). في ذلك الصباح كان
من المفترض بالميكانيكي الطيار مايت رايلي هيل أن يكون على متن المنطاد مع بقية
أفراد الطاقم إلا أنه لم يتسنى له ذلك ، يقول مايت رايلي هيل:"قاد أدامز
المنطاد الضخم والقابل للتوجيه بعد التحقق من إجراءات السلامة ، مع أنه لم يسبق له
أبداً أن قاد مناطيد صغيرة، ولم تكن رحلة طيرانه في ذلك الصباح إلا رحلة إعتيادية
(روتينية) بالنسبة له. وقبل وقت ضئيل من الإقلاع أمرت بايقاف الرحلة بسبب الرطوبة
العالية في الجو لأنها قد تضيف وزناً على المنطاد فتجعله يهبط للأسفل مما يجعل
رحلتنا غير آمنة وعلى متنه ثلاثة من الرجال. ولذلك رأيت أن أبقى خارجاً فأوصدت باب
المنطاد وتأكدت من إقفاله، ثم أقلعوا به". وكان مخططاً للرحلة أن تبدأ
بمغادرة تريجر آيلاند في مضيق سان فرانسيسكو وتمر فوق جسر جولدن غايت ومن ثم
التوجه إلى جزر فارالون النائية والتي تبعد حوالي 40 كيلومتراً .ثم تنتهي في
الشمال من يوينت ريز وجنوب الخط الساحلي. كانت أول مرحلة من مسار الرحلة تسير بكل
يسر كما هو مخطط لها في مهمة حراسة الشواطئ ، ولكن بعد مرور ساعة ونصف على
الإقلاع، إتصل الملازم كودي بقاعدة سكواردون وقال:"موقعنا على بعد أربعة
أميال شرقاً من جزر فارالون، حوّل".وبعد أربعة دقائق عاود كودي الإتصال ثانية
أبلغ بوجود بقعة نفط طافية على وجه الماء ، ووفقاً لـ رايلي كانت تلك آخر الكلمات
التي استقبلت من الرحلة 101 .وبعد لحظات وعندما كان الوقت مناسباً للحصول على مزيد
من الإيضاحات من أفراد الطاقم لم يتم تلقى أية استجابة ، فافترض العاملين في
القاعدة أن أفراد الطاقم لم يكونان متقينين للملاحظات التي أفادوا بها ولذلك
تابعوا سيرهم .ولكن بعد مرور3 ساعات دون استلام أية كلمة من أفراد الطاقم قام
أفراد القاعدة بإرسال تنبيهات متلاحقة إلى قائد الرحلة 101 ، إلا أن جميع
المحاولات الحثيثة للإتصال منيت بالفشل الذريع ، وأخيراً تم استلام رسالة ولكنها
لم تكن قادمة من الرحلة 101 وتفيد بأن المنطاد انحرف عن مساره لمسافة 13 كيلومتر ، باتجاه
الشاطئ وإلى الجنوب من سان فرانسيسكو كما يتذكرها كين غيليسبي. في تلك الأثناء كان
هناك أحد السباحين ويدعى السيد كابيولفيا واقفاً يتحضر للدخول في الماء عندما رأى
فجأة كتلة رمادية ضخمة قادمة من وسط الضباب باتجاهه، يصف كابيولفيا ذلك المنطاد
بأنه كان بعرض 47 قدماً (13 متراً ) وعلى علو كبير فوق الماء وفجأة ارتطمت عجلاته
على طول الرمال بالقرب من حافة الشاطئ، ثم ارتفع قليلاً للأعلى فوق حافة منحدر
ليصطدم أخيراً هناك وتنتشر أنقاضه. رأى مئات الناس من شهود العيان تحطم المنطاد
أمام أعينهم وهو يهبط في وسط أحد شوارع مدينة دالي ومما يدعو للدهشة عدم إصابة أية
شخص من جراء ذلك الإصطدام !
وفي الحال تجمع أفراد من سلطات مدينة دالي ووصل أفراد من القوات البحرية
والجميع صعقوا عندما لم يعثروا على أية أثر للملازم كودي ومساعده أدامز، كان باب
المنطاد مفتوحاً وهو أمر غير إعتيادي في ظروف التحليق كما أن قضيب الأمان المرتكز
على الباب لم يكن في مكانه . فحص رايلي هيل أنقاض المنطاد والحجرة فوجد أن مفتاح
التشغيل ما زال في وضعية تشغيل ON وكذلك كان جهاز
الإرسال الراديوي في حالة تشغيل واكتشف بأن صمامات الوقود كما هي في نفس الوضعية
التي تركها ولم يلمسها أحد ، وكان باقي مخزون الوقود كافياً للتحليق لمدة 6 ساعات
إضافية. كانت قبعة الملازم كودي موضوعة على لوحة التحكم ، واثنين من سترتي النجاة
مفقودان من أصل ثلاثة، مما يرجح فرضية أنهما كانا يلبسانها قبل الإقلاع كما تقتضيه
إجراءات السلامة، كما كان هناك حقيبة (مؤمنة بقفل)تحتوي على شيفرات سرية للغاية في
مكانها وأيضاً كانت ماكينة السلاح موجودة أيضا، ويبدو أن كودي وأدامز قاما بفتح
الباب وألقيا بنفسهما في الجو !، المحققين في الحادثة من ضباط البحرية أكدوا أن
الرحلة 101 شوهدت من قبل عدد من السفن والطائرات بين الساعة 7 و11 صباحاً ، وبعض
شهود العيان قال أنه كان باستطاعته أن يرى كودي وأدامز في حجرتهما
Gondola وبدا أن كل شيء يسير على ما يرام.
برزت فوراً عدداً من الفرضيات لتفسير الإختفاء الغامض للرجلين ، فبعض
الفرضيات تتحدث عن أن كودي وأدامز لمحا غواصة للعدو وعندما هبطا للتحقق منها
اعتقلا وأخذا أسرى ، وسرت شائعة أخرى تتحدث عن أن الرجلين واقعان في غرام امرأة
مجهولة وربما قتل أحدهما الآخر فألقاه من الجو أثناء التحليق ومن ثم لاذ بالفرار
عندما تحطم المنطاد. وكان أيضاً للمحققين من ضباط البحرية فرضيتهم الخاصة ، فهم
يعتقدون أن أحد الضابطين تسلق خارج الحجرة Gondola بهدف إصلاح مشكلة ميكانيكية فوقع في مأزق فهب الآخر لمساعدته
إلا أن الإثنان وقعا من على متنها.
بعد سنة من الحادثة ، تم اعتبار الملازم إرنست كودي ومساعده تشارلز أدامز
في عداد المتوفين رسمياً، وكذلك تم إصلاح المنطاد المذكور بعد إنتهاء الحرب وأصبح
يعرف فيما بعد بمنطاد جوديير GoodYear الذي كان
يراه الملايين أثناء إقامة المسابقات الرياضية في أنحاء البلاد ، ولكن كان قليلاً
من الناس على علم بقصته،أما الآخرون فهم لا يعلمون أن تلك المركبة الجوية التي
تحلق فوق رؤوسهم كانت تمثل المنطاد الشبح !
No comments:
Post a Comment