أسطورة
إيزيس وأوزوريس هي القصة الأكثر تفصيلًا وتأثيرًا ضمن الأساطير الفرعونية. تدور
القصة حول جريمة قتل الإله أوزوريس، فرعون مصر، وعواقب هذه الجريمة. عقب الجريمة
قام قاتل أوزوريس، وهو أخوه ست، باغتصاب العرش. في الوقت ذاته، ضربت إيزيس الأرض
سعيًا وبحثًا عن جثة زوجها حتى عثرت عليها في جبيل، ولكن ست أفلح في سرقة الجثة
وقطعها إلى اثنين وأربعين جزءًا، ووزعها على أقاليم مصر. لم تستسلم إيزيس وتمكنت
من جمع أشلاء زوجها ، فحبلت وولدت إيزيس بعد ذلك ولدًا هو حورس ، وأصبح أوزوريس
ملكًا في مملكة الموتى.
ما تبقى من القصة يتمحور حول حورس، الطفل الناتج
عن اجتماع إيزيس وأوزوريس، والذي كان في بادئ الأمر مجرد طفل ضعيف تتولى أمه
حمايته، حتى أصبح منافس ست على العرش. انتهى صراع ست مع حورس، الذي غلب عليه
العنف، بانتصار حورس، مما أعاد إلى مصر النظام الذي افتقدته تحت حكم ست. كما قام
حورس بعدها بإتمام عملية إحياء أوزوريس. تُكمِّل هذه الأسطورة، بما فيها من رموز
معقدة، المفاهيم المصرية من نظام الملكية، وتتابع الملوك، والصراع بين النظام
والفوضى، وعلى وجه الخصوص الموت والبعث بعد الموت. علاوة على ذلك، توضح الأسطورة
السمات المميزة لكل شخصية من الآلهة الأربعة محور القصة وكيف أن كثيرًا من
العبادات في الديانات المصرية القديمة يرجع أصلها إلى هذه الأسطورة.
اكتمل
الشكل الأساسي لأسطورة إيزيس وأوزوريس في القرن الرابع والعشرين قبل الميلاد، أو
ربما قبل ذلك. ويتفرع كثير من عناصر الأسطورة عن أفكار دينية، إلا أن الصراع بين
حورس وست من المحتمل أن يكون قد حدث بشكل جزئي بسبب الصراع الإقليمي بمصر في
بدايات التاريخ أو في ما قبل التاريخ. وقد حاول العلماء أن يتبينوا طبيعة الأحداث
التي أثارت هذه القصة، لكن محاولاتهم لم تأتِ بنتائج قاطعة.
توجد أجزاء
من الأسطورة في مجموعة متنوعة من النصوص المصرية القديمة، بدءًا من النصوص
الجنائزية والتعويذات السحرية ووصولًا إلى القصص القصيرة. وبهذا تكون القصة أكثر
تفصيلًا وتلاحمًا من أي أسطورة فرعونية أخرى. لكن لا يوجد مصدر مصري يعطي فكرة
كاملة وافية عن الأسطورة، كما تختلف الأحداث إلى حد كبير باختلاف المصادر. وبالرغم
من أن الكتابات اليونانية والرومانية، وعلى وجه التحديد كتاب "حول العادات
والأعراف" لصاحبه بلوتارخ، توفر معلومات أكثر عن الأسطورة، فهي لا تعكس
المعتقدات المصرية بدقة في كل الأحيان. وبفضل هذه الكتابات، استمرت أسطورة إيزيس
وأوزويس حتى بعد زوال معظم المعتقدات الفرعونية. ولا تزال هذه الأسطورة معروفة حتى
اليوم الحالي.
كانت
أسطورة إيزيس وأوزوريس ذات أهمية بالغة في الديانة المصرية القديمة، كما كانت
شائعة بين عامة الشعب. ومن أسباب شيوع هذه الأسطورة استنادها إلى معنى ديني، وهو
أن أي ميِّت يمكن أن ينعم في الآخرة. سبب آخر لشيوع هذه الأسطورة هو كَون الشخصيات
والمشاعر فيها أقرب إلى حياة الناس الواقعية من أي أسطورة مصرية أخرى، مما يجعل
القصة تروق للذوق الجماهيري العام بشكل أكبر. وكما يقول عالم المصريات ج.جوين جريفثس
في حديثه عن العلاقة بين إيزيس وأوزوريس وحورس، فالأسطورة تنقل على وجه الخصوص
"إحساسًا قويًا بالولاء والتفاني داخل العائلة".
وبهذه
الجاذبية الكبيرة، تظهر هذه الأسطورة أكثر من أي أسطورة أخرى في النصوص القديمة،
وبشكل استثنائي في مجموعة واسعة من ألوان الأدب المصري القديم. وهذه المصادر توفر
أيضًا كمية غير عادية من التفاصيل. تتسم الأساطير المصرية القديمة بالتفكك
والغموض، ذلك أن الصور الجمالية الدينية داخل الأساطير كانت أهميتها أكبر من أن
تكون الرواية متماسكة. وإلى حد ما تبدو أسطورة إيزيس وأوزوريس متفككة وغنية
بالكثير من الرموز. لكن بمقارنتها بالأساطير الأخرى فهي أكثر شبهًا بالروايات
المتماسكة.
نصوص
الأهرام في هرم تيتي.
أتى ذكر
الأسطورة لأول مرة في نصوص الأهرام التي تعتبر أولى النصوص الجنائزية المصرية
القديمة التي ظهرت على جدران غُرَف الدفن بالأهرامات بنهاية الأسرة الخامسة خلال
القرن الرابع والعشرين قبل الميلاد. وتحتوى هذه النصوص، المُكوَّنة من تعويذات أو
"أقوال" متفاوتة، على أفكار من المفترض أن تاريخها يرجع إلى عهود سابقة.
تختص هذه النصوص بذكر الحياة الآخرة للملوك المدفونين بالأهرامات، لذا فهي فغالبًا
ما تشير إلى أسطورة إيزيس وأوزوريس المتعمقة في نظام الملكية والحياة الآخرة. تظهر
كثير من عناصر القصة، مثل موت وإحياء أوزوريس والفتنة الناشبة بين حورس وست، في
الأقوال الموجودة في نصوص الأهرام.
تتكرر نفس
عناصر الأسطورة الموجود في نصوص الأهرام في أوقات لاحقة في النصوص الجنائزية مثل
نصوص التوابيت التي ترجع إلى الدولة الوسطى (2055 - 1650 ق.م) وكتاب الموتى العائد
إلى الدولة الحديثة (1550 - 1070 ق.م). وقد كُتِبَت معظم هذه الكتابات لعامة
الشعب، لذا فالارتباط بين أوزوريس والموتى في هذه النصوص عاد غير متقيد بالولاء
إلى أوزوريس من عدمه.
القصة
الأكثر اكتمالًا حول الأسطورة موجودة على نقش "الترانيم الكبيرة
لأوزوريس" الذي يعود إلى الأسرة الثامنة عشرة (1550-1292 ق.م)، ويعطي ملخصًا
للقصة كاملة في تفاصيل قليلة. من المصادر الأخرى المهمة للأسطورة تمثيلية منف
الموجودة على حجر شباكا، وهي قصة دينية تتضمن حكاية موت أوزوريس وإلام انتهى
الصراع بين حورس وست. تربط هذه التمثيلية نظام الملكية الذي يمثله أوزوريس وحورس،
بالإله بتاح خالق منف. طالما ساد الاعتقاد أن هذه التمثيلية ترجع إلى الدولة
القديمة (2686 - 2181 ق.م). وعليه تم التعامل معها باعتبارها مصدرًا للمعلومات حول
المراحل الأولى في تطور الأسطورة. لكن منذ سبعينيات القرن العشرين، استنتج عالمو
المصريات أنها تُنسب إلى الدولة الحديثة على الأبعد.
تأتي
المعلومات الخاصة بالطقوس الأوزوريسية من حوائط المعابد المصرية التي ترجع إلى
الدولة الحديثة وحتى المملكة البطلمية التي امتدت من سنة 323 إلى 30 ق.م. تعتبر
هذه النصوص الخاصة بالطقوس مصدرًا رئيسًا آخر للمعلومات عن الأسطورة.
تسهم
الرُقى السحرية الشافية، التي استخدمها المصريون من كل الطبقات، بصفتها مصدرًا
لجزء مهم في الأسطورة يصاب فيه حورس بالتسمم أو يمرض، ثم تقوم إيزيس بمعالجته.
تقوم التعويذات بالوصل بين شخص مريض وحورس روحيًا حتى يستفيد هذا الشخص الآخر من
مجهودات الآلهة. عُرفت الرُقى من نُسَخ البردي التي ساهمت بكونها إرشادات لطقوس
الشفاء، كما جاءت من نوع خاص من أحجار ستيلي المنقوشة المعروفة باسم سيباس. كان من
يسعى للشفاء يصبّ الماء على أحجار السيباس التي كان يُعتقد أنها تمدّ الماء بقوة
الشفاء الموجودة في النص المنقوش على الحجر. ثم يشرب المريض الماء أملًا في العلاج
من مرضه.
يظهر موضوع حماية طفل صغير باستخدام الالتعويذات
السحرية أيضًا على صولجانات منقوشة مستخدمة في الطقوس تعود إلى الدولة الوسطى. وقد
تم عمل هذه الصولجانات قبل الرقى الشافية المرتبطة بموضوع أسطورة إيزيس وأوزوريس
بعدة قرون.
تم تسجيل
حلقات من الأسطورة أيضًا في كتابات هدفها الترفيه.من أبرز هذه النصوص
"الصراعات بين حورس وست"، وهو عبارة عن رواية للحلقات المتعددة للصراع
بين الإلهين، وهو ما يرجع إلى الأسرة العشرين (1190-1070 ق.م). ويصور هذا النص
شخصية الآلهة محور الأسطورة تصويرًا حيويًا؛ فكما يقول عالم المصريات دونالد ب.
ردفورد: يبدو حورس ضعيفًا جسديًا لكنه شخصية
ذكية تشبه العفريت، أما ست فهو رجل قوي البنية في صورة مهرج محدود الذكاء، ورع في
صورة قاضٍ متجهم متحيز، وأوزوريس في صورة تتضح عليها الفظاظة وذو لسان لاذع.
بالرغم من طبيعة نص "الصراعات" الشاذة، فهي تحتوي على كثير من الحلقات
القديمة من الصراع الإلهي، وكثير من الأحداث بها تظهر بنفس الترتيب في مصادر أخرى
لاحقة لها، مما يرجح أن هذا التتابع التقليدي للأحداث كان متوافقًا مع الوقت الذي
كتبت فيه القصة.
قام كثير
من الكُتّاب اليونان والرومان القدماء، الذين وصفوا دين المصرية في أواخر عهدها،
بتسجيل الكثير عن أسطورة إيزيس وأوزوريس. كما ذكر هيرودوت في القرن الخامس قبل
الميلاد أجزاءً من الأسطورة في وصفه لمصر في عمله المعروف باسم التواريخ، وبعدها
بأربعة قرون، ألحق ديودور الصقلي ملخصًا للأسطورة في عمله المعروف باسم المكتبة
التاريخية.
وفي أوائل القرن الثاني بعد الميلاد، كتب
بلوتارخ القصة الأكثر اكتمالًا وقِدمًا عن الأسطورة في كتابه حول العادات والأعراف
الذي يعتبر تحليلًا للمعتقدات المصرية القديمة. والقصة التي يقدمها بلوتارخ هي
التي غالبا ما تحكيها الكتابات الحديثة الرائجة. لكن مثل هذه الكتابات للمؤلفين
الكلاسيكيين يمكن أن تشوه صورة المعتقدات المصرية القديمة. فعلى سبيل المثال،
يحتوى كتاب "حول العادات والأعراف" على من تفسيرات للمعتقدات المصرية
متأثرة بالفلسفات اليونانية، كما أن القصة التي يحكيها الكتاب تحتوي على أجزاء لا
شبيه لها في التقاليد المصرية. استنتج العالم جريفثس أن كثيرًا من عناصر هذه القصة
مأخوذ من الميثولوجيا الإغريقية، وأن العمل بأكمله لم يكن مستندًا بشكل مباشر إلى
مصادر مصرية. ومن ناحية أخرى، يرجح زميله جون باينز أن المعابد ربما احتفظت بقصص
مكتوبة عن الأسطورة ضاعت فيما بعد، ومن المحتمل أن يكون بلوتارخ اعتمد على هذه
المصادر في كتابة روايته
موت وإحياء
أوزوريس
في بداية
القصة، يحكم أوزوريس مصر حيث يرث المُلك من أجداده الذين يمتد نسبهم إلى خالق
العالم، الإله رع أو أتوم. إيزيس هي زوجة أوزوريس، وهي، بالإضافة إلى أوزوريس
وقاتله ست، واحدة من أبناء إله الأرض جب وإلهة السماء نوت. يوجد القليل من
المعلومات عن حُكم أوزوريس داخل النصوص المصرية؛ فالتركيز فيها على موته والأحداث
التابعة لموته. يرتبط ذكر أوزوريس بالقوة المانحة للحياة، والنظام الملكي القويم،
وحكم ماعت الذي يقوم على النظام المثالي الطبيعي الذي ظل الحفاظ عليه هدفًا
أساسيًا في الثقافة المصرية القديمة.[26] وعلى النقيض، يمثل ست العنف والفوضى.
وبناءً عليه، يرمز قتل أوزوريس إلى الصراع بين النظام والفوضى، والخلل في الحياة
الناتج عن الموت.
وعلى ما يبدو، فإحياء أوزوريس كان مؤقتًا، وبعد
هذه النقطة من القصة لم يُذكر أوزوريس إلا بصفته حاكمًا لدوات، مملكة الموتى البعيدة
الغامضة. وبالرغم من ذلك، فباتصال أوزوريس قصير المدة بإيزيس، استطاع أن يجعلها
حُبلى بابنه ووريثه الشرعي حورس. ومع أن أوزوريس نفسه يعيش في دوات فحسب، فهو وحقه
في المُلك سوف يولد من جديد، بشكل مًا، في ابنه.]
تختلف
القصة المتلاحمة لبلوتارخ التي تخص هذا الجزء من الأسطورة بشكل أساسي عن تلك
الموجودة في المصادرة المصرية المعروفة في نواح عديدة. تآمر ست، الذي أشار إليه
بلوتارخ بالاسم الإغريقي "تايفوس"، مع ثلاث وسبعين آخرين ضد أوزوريس.
أمر ست بصنع صندوق مُفصَّل بحيث يناسب مقاسات أوزوريس، ثم أعلن في مائدة أعدَّها
أنه سيعطي الصندوق هدية لمن يدخل الصندوق ويتناسب مع مقاسه. قام الضيوف، واحدًا
تلو الآخر، بالنوم في الكَفَن، لكن أحدًا لم يناسب الكفن مقاسه سوى أوزوريس.
وعندما رقد
أوزوريس في الصندوق، أغلق ست والمتواطئين معه غطاء الصندوق على أوزوريس وأحكموا
غلقه، ورموه في النيل. طفا الصندوق، وبداخله جثة أوزوريس، في البحر ووصل إلى مدينة
جبيل حيث نَمَت شجرة حوله. أمر ملك جبيل بقطع الشجرة لعمل دعامة للقصر، وذلك ولا
يزال الصندوق بداخل الشجرة. وحينئذ توجّب على إيزيس أن تزيل الصندوق عن الشجرة حتى
تستعيد جسد زوجها. بعد أن أخذت الصندوق، تركت الشجرة في جبيل حيث أصبحت موضعًا
للعبادة لأهل البلدة. وتعطي هذه الحلقة من الأسطورة، وهي غير مأخوذة من المصادر
المصرية، تفسيرًا لسبب وجود جماعات تابعة لإيزيس وأوزوريس في جبيل في عصر بلوتارخ
وربما يعود تاريخ هذه الجماعات إلى الدولة الحديثة.
يوضح
بلوتارخ أن ست سرق الجثة وقطع أوصالها، فقط بعدما قامت إيزيس بأعادته إلى
الحياة[؟]. بعد ذلك، وجدت إيزيس كل أشلاء جثة زوجها ودفنتها، ما عدا عضوه التناسلي
الذي أكله السمك في النهر، فاضطرت إيزيس إلى إعادة تشكيله بواسطة الالتعويذات
السحرية. حسب كلام بلوتارخ، هذا هو السبب في تحريم أكل السمك عند قدماء المصريين.
لكن في القصص المصرية عن الأسطورة، تجد إيزيس العضو التناسلي سليمًا، والتشابه
الوحيد مع قصة بلوتارخ هو في "قصة الأخوين"، القصة الشعبية التي تعود
إلى الدولة الحديثة وتحمل بعض أوجه الشبه بأسطورة إيزيس وأوزوريس.
وجه أخير
للاختلاف في قصة بلوتارخ هو مولد حورس. فصورة حورس الذي ينتقم لأبيه كانت موجودة
ومولودة قبل مقتل أوزوريس. هذه الصورة هي طفل ثانٍ وُلِدَ سابقًا لأوانه وهو
حربوقراط الذي وُلد نتيجة الجماع بين أوزوريس بعد وفاته وإيزيس. وهنا، توجد صورتان
منفصلتان لحورس في التراث المصري لكل منهما موقع مختلف في نسخة بلوتارخ للأسطورة.
الصراع بين
حورس وست
يبدأ الجزء
التالي من الأسطورة بحورس البالغ الذي يتحدى ست على عرش مصر. تتسم المنافسة بينهم
في الغالب بالعنف، لكن يمكن وصفها أيضًا بمحاكمة شرعية أمام التاسوع المقدس، وهو مجموعة
من الآلهة المصرية لتقرير من له الأحقية في وراثة المُلك. من المحتمل أن يكون
القاضي في هذه المحاكمة هو جب الذي، بوصفه والد أوزوريس وست، اعتلى العرش قبلهما،
أو ربما يكون أحد إلهَي الخلق رع وأتوم، منشئي النظام الملكي.
كما تؤدي آلهة أخرى أدوارًا مهمة؛ فالإله تحوت
يؤدي دور مصلح في النزاع أو مساعد للقاضي الإلهي. وفي كتاب "الصراعات"،
تستخدم إيزيس ذكائها وقواها السحرية في مساعدة ابنها.
يتم تصوير
المنافسة بين حورس وست بطريقتين متناقضتين. كلا الطريقتين ظهرت في الوقت الذي كتبت
فيه نصوص الأهرام، أول مصدر للأسطورة. في بعض التعويذات في النصوص، يعتبر حورس ابن
أوزوريس وابن أخ لِسِت، وتعتبر جريمة قتل أوزوريس هي الباعث الأساسي على الصراع.
على حين تصف قصص أخرى حورس وست على أنهما أخوة. يكمن التعارض في كثير من المصادر
اللاحقة، حيث يمكن تسمية الإلهين أخوين أو عم وابن أخيه في مواضع مختلفة من نفس
الوثيقة.
حورس يطعن
ست المتمثل في هيئة فرس النهر، في حين تتفرج إيزيس.
يتضمن هذا
الصراع عدة أجزاء. يصف كتاب "الصراعات" الإلهين وكل منهما يستغيث
بالآلهة الأخرى للفصل في النزاع بينها، وهما يتنافسان في مختلف أنواع المسابقات
مثل سباق القوارب أو مصارعة بعضهم البعض متخذين صورة أفراس النهر، لتحديد المنتصر.
في هذه النسخة من القصة، يهزم حورس ست مرارًا وتكرارًا، ويساعده في ذلك معظم
الآلهة الأخرى ومع ذلك، يستمر الصراع ثمانين عامًا، والسبب الأساسي في ذلك هو
القاضي الإله الخالق الذي يحابي ست. في نصوص الطقوس الحديثة، يوصف الصراع بأنه
معركة كبيرة تضم كافة أتباع الإلهين. كما تمتد الفتنة في العالم الإلهي إلى ما بعد
الخصمين.
وفي لحظة ما، تحاول إيزيس أن تطعن ست بالحربة
أثناء اشتباكه مع ابنها في قتال. لكنها تطعن حورس بالخطأ، مما يجعله يقطع رأسها في
نوبة من الغضب. يستبدل تحوت رأس بقرة برأس إيزيس. وبهذا، تعطي هذه القصة أصلًا
يرجع إليه سبب ارتداء إيزيس في الغالب رداءً مرسومًا عليه رأس بقرة بقرون. لذلك
يقوم ست في بعض المصادر بتبرير اعتداءه المستمر بعد ذلك على حورس بأنه عقاب للإله
الصغير على العنف الذي وجهه لأمه.
في حلقة
أساسية من الصراع، يعتدي ست على حورس جنسيًا. يهدف ست من وراء هذا الاعتداء أن يحط
من قدر خصمه، لكنه بالإضافة إلى ذلك يتضمن رغبة مثلية الجنس، مما يضيف إلى صفات ست
الرئيسية العنف وعدم التمييز الجنسي. في أقدم قصة عن هذا الجزء، في ورق بردي غير
مكتمل يعود للدولة الحديثة، يبدأ الالتقاء الجنسي عندما يطلب ست أن يمارس الجنس مع
حورس الذي يوافق على هذا شريطة أن يعيد ست إليه بعضًا من قوته. يعرض هذا الالتقاء
حورس للخطر لأن الحيوان المنوي في الأساطير المصرية مادة قوية وخطيرة مماثلة
للسُم. طبقًا لبعض النصوص، يخترق الحيوان المنوي لست جسد حورس ويتسبب في مرضه، لكن
في كتاب "الصراعات" يُحبِط حورس مكيدة ست بإمساكه لحيوانات ست المنوية
في يده. وتثأر إيزيس لذلك بوضع الحيوان المنوي لحورس في الخس الذي يأكله ست.
تتضح هزيمة ست عندما يظهر هذا الحيوان المنوي
على ناصيته في صورة قرص ذهبي، فهذا يدل على أنه تخصب نتيجة البذر الذي بذره فيه
خصمه ونتيجة لذلك "وَلد" هذا القرص. في كتاب "الصراعات"، يأخذ
تحوت القرص ويضعه على رأسه. أما في النسخ الأقدم من القصة، فتحوت نفسه هو نتاج هذه
الولادة الشاذة.
من الحلقات
الأخرى المهمة في الأسطورة الجزء الذي يختص بالإصابات التي ألحقها المنافسين
ببعضهما؛ فحورس يصيب أو يسرق خصيتي ست، في حين يُتلف ست أو يقتلع إحدى عيني حورس
أو كليهما. وأحيانًا يُقال إن العين تقطعت إلى أجزاء. ترمز إصابة ست إلى فقد
الفحولة والقوة، لكن اقتلاع عيني حورس ذو أهمية أكبر بكثير، حيث تمثل عين حورس
المسروقة هذه العديد من المفاهيم في الديانة المصرية القديمة. من الأدوار الرئيسة
التي يقوم بيها حورس كونُه إلهًا للسماء، ولهذا السبب يُقال أن عينه اليمنى هي
الشمس واليسرى هي القمر.
وعليه، تعادل سرقة أو إتلاف عيني حورس إظلام
القمر خلال مراحله المختلفة، أو أثناء الخسوف. يمكن أن يقوم حورس باسترجاع عينه
المفقودة، أو تقوم الآلهة الأخرى بما فيها إيزيس وتحوت وحتحور بإعادتها له أو
شفائها. يرجح عالم المصريات هيرمان تي فيلدي أن قصة الخصيتين المفقودتين هو تحريف
مؤخر لفقدان ست لحيوانه المنوي على حورس، وأن القرص قمري الشكل الذي تواجد على
جبهة ست بعد الإخصاب هو ذاته عين حورس. وإن كان هذا صحيحًا، فالجزء المتعلق
بالإصابات والاعتداء الجنسي يشكل قصة على حدة يقوم فيها ست بالاعتداء على حورس
وتضييع حيواناته المنوية عليه، ثم يثأر حورس ويخصّب ست، ويحصل ست على عين حورس
عندما تظهر على جبهة ست. ولأن تحوت هو إله القمر بجانب وظائفه الأخرى، من المعقول،
طبقًا لتي فيلدي، أن ينتج تحوت في صورة العين ويحاول التدخل لتسوية الخلاف بين
الإلهين المتناحرين.
على أية
حال، فاستعادة عين حورس إلى جسده تمثل عودة القمر إلى كامل إشراقه، وعودة المُلك
إلى حورس،وكثيرًا من جوانب ماعت. وأحيانًا تصحب استعادة عين حورس استعادة خصيتي
ست، ولهذا يصبح كلا الإلهين في صورته المكتملة بنهاية الصراع
نهاية
الأسطورة
كما جرت
العادة في كثير من أجزاء الأسطورة، فنهاية القصة معقدة ومتنوعة. وفي أغلب القصص،
يتقاسم حورس وست المملكة بينهما. يمكن أن يعادل هذا التقاسم أي من الازدواجيات
المتعددة التي شهدها المصريون في عالمهم. ويمكن أن يحتوي نصيب حورس على الأرض
الخصبة حول النيل، وقلب الحضارة المصرية، وفي هذه الحالة يكون نصيب ست هو الصحراء
الجرداء أو الأراضي الأجنبية المتصلة بها. كما يحكم حورس الأرض في حين يسكن ست في
السماء. ويمكن أن يقتسم الإلهان نصفي البلد التقليديين، وهما صعيد مصر والدلتا،
وفي هذه الحالة يمكن لأي من الإلهين الاتصال بأي من النصفين. لكن في تمثيلية منف،
يقسم القاضي جب المملكة بين المطالبين بها، ثم يرجع بعد ذلك في قراره تاركًا
التحكم المطلق لحورس. وفي هذا الاتحاد السلمي، يتصالح حورس وست، وتتحول الازدواجية
بينهما إلى مجموع متحد. بهذه النهاية، يعود النظام بعد الصراع العاصف.
يركز رأي
آخر لنهاية القصة على انتصار حورس فحسب. في هذه النسخة لا يتصالح ست مع خصمه،
ولكنه يتعرض للهزيمة التامة، وأحيانًا يُنفى من مصر أو يصل الأمر إلى أن يتم
القضاء عليه. توجد تفاصيل أكثر عن كيفية هزيمته وإذلاله في النصوص المتأخرة
للتاريخ المصري، حيث يزداد النظر إليه على أنه رمز للفوضى والشر ولا يرى فيه
المصريون مكملًا للنظام الطبيعي كما اعتادوا.
في وسط
احتفال كبير بين الآلهة، يتولى حورس العرش وأخيرًا يحكم مصر حاكم شرعي. يسهم
القرار الإلهي بأن ست مذنب في التعويض عن الظلم الناتج عن قتل أوزوريس، كما يُكمِل
عملية أعادته إلى الحياة بعد الموت. أحيانًا يُجبر ست على حمل جثة أوزوريس إلى قبره
باعتبار هذا جزءًا من عقابه. يؤدي الملك الجديد مراسم جنازة أبيه ويقدم قرابين من
الطعام لمساندته، وغالبًا ما تضمنت القرابين عين حورس التي تمثل في هذه الحالة
الحياة والفيض. وفقًا لنفس المصادر، عبر هذه الأفعال فقط يمكن أن يحيا أوزوريس في
الآخرة ويتولى منصبه ملكًا للموتى، نظيرًا لدور ابنه بصفته ملكًا للأحياء. من ذلك
الحين فصاعدًا، ينشغل أوزوريس بالدورات الطبيعية للموت والبعث، مثل النمو السنوى
للمحاصيل، الذي يناظر عمليه إحيائه.
No comments:
Post a Comment