Monday, September 17, 2018

التبادل التجاري في عهد الفراعنة

كان للموقع المتميز لمصر جغرافيًا حيث تتوسط ثلاثة قارات هى: إفريقية وأوروبا، إلى جانب وجود طرق برية من جهة الشرق عن طريق شبه جزيرة سيناء، وعن طريق الغرب حيث الصحراء الغربية وفى الجنوب توجد بعض الطرق البرية، ونهر النيل الأثر الكبير فى اتصال مصر بدول المجاورة وإقامة علاقات اقتصادية تجارية مع هذه الدول.

ويعود الاتصال الاقتصادى، والمتمثل فى التبادل التجارى مع الدول المجاورة إلى حوالى 3200 قبل الميلاد خلال عصر الأسرة فقد حرص ملوك مصر على إقامة علاقات تجارية مع الشام والتى كانت تلقب بفنيقيا لاستيراد خشب الأرز والصنوبر والزيوت والخمور فى أوانى فخارية. وقد تعود هذه العلاقات إلى عصور ما قبل الأسرات، أى قد تمتد إلى 3500 ق.م.

وقد استخدمت بعض هذه الأخشاب المستوردة من لبنان فى مقابر الملوك فى أبيدوس. وعثر على بعض الأوانى من جنوب العراق. كذلك شهد الجنوب تبادلاً تجاريًا بين مصر والنوبة يعود إلى عصر الأسرة الثانية 3000.م من عهد الملك (خع سخم)، حيث كان يستورد المصريون من النوبة الأبنوس والعاج، ويتم تبادلها مع الأوانى الحجرية والفخارية من مصر.

كانت مصر تستورد من ليبيا فى الغرب الزيوت وخاصة زيت الزيتون وكذلك الماشية بكافة أنواعها

ومع بداية عصر الدولة القديمة حوالى 2700 ق.م نجد أيضاً الملك (سنفرو) أول ملوك الأسرة الرابعة وأبو(خوفو) أرسل بعثات تجارية إلى فينيقيا للاستيراد خشب الأرز فى أسطول تجارى يضم أربعين سفينة، مما يدل على حجم التبادل التجارى الكبير، مع إشارة إلى وصول النشاط التجارى المصرى إلى جزيرة كريت فى البحر الأبيض المتوسط، والذى امتد ـ أيضًاـ خلال الأسرة الخامسة فى عهد الملك (أوسر كاف) إلى الشاطئ الجنوبى لجزر اليونان.

أما فى الجنوب فقد كانت هناك رحلات تجارية بين مصر والنوبة خلال الأسرة الرابعة والخامسة والسادسة، حيث كان يتم تبادل الحبوب والكتان المصرى والقيشانى والعسل والماشية والنبات من النوبة، كما امتد التبادل التجارى إلى بونت، وكان يصاحب هذه الحملات حراسة من الجيش المصرى والمترجمين.

أما من الغرب فكان يتم استيراد الماشية من أغنام وماعز وأبقار لوفرة المراعى بها، ومع إنهاء الوحدة بين الجنوب والشمال فى نهاية الدولة القديمة وتفتت البلاد ودخولها عصر الاضمحلال الأول عام 2200 ق.م وحتى 2062 ق.م لم تشهد البلاد سوى الفرقة، وانهيار الحكومة المركزية، وتوقف النشاط التجارى مع دول الجوار.

مع بداية عصر الدولة الوسطى 2062 – 1675 ق.م، وبعد وحدة البلاد للمرة الثانية على يد الملك (منتوحتب) الثانى عادت البعثات التجارية إلى نشاطها، وخاصة مع الجنوب فى (بونت) حيث أرسل الملك (منتوحتب) الثانى أسطولاً تجاريًا لإحضار المرمر. ـ تحمل أجزاؤه مفككة لتركيبها على شاطئ البحر الأحمرـ .

أما فى الشرق فقد قامت مصر بتوحيد العلاقات التجارية مع فينيقيا وسوريا وفلسطين حيث كانت هذه البلاد سوقًا تجاريًا لتصريف منتجاتها من الأوانى وأقمشة الكتان وأحجار الفيروز واستيراد أخشاب الأرز والزيوت وبعض منتجات العراق.

أما فى الغرب فقد أرسل الملك (أمنمحات) الأول و(سنوسرت) الأول ابنه لجلب أنواع عديدة من الماشية.



ومع سقوط الدولة الوسطى عام 1675ق.م ولمدة مائة عام هاجم الهكسوس مصر وهم شعوب آسيوية - وأخضعوا شمال البلاد لحكمهم واقتصر حكم المصريين فقط على جنوب البلاد، مما أدى إلى توقف النشاط التجارى خاصة مع الشرق والغرب، ولكن ظل مستمرًا مع النوبة فى الجنوب حتى تم تحرير البلاد مرة أخرى على يد الملك (أحمس الأول) عام 1575 ق.م ووحدة مصر للمرة الثالثة وإقامة دولة حديثة.

ومع بداية عصر الدولة الحديثة 1575 ـ 950 ق.م شهدت مصر طفرة حضارية غير مسبقة حيث أصبحت مصر إمبراطورية كبيرة بعد سلسلة من الحروب مع دول الجوار سواء من الشرق أو الغرب أو الجنوب لتأمين حدودها وأصبحت الحدود المصرية تمتد من شمال سوريا (شاملة سوريا ولبنان وفلسطين وفى الغرب جزء كبير من ليبيا) وحتى الشلال الرابع فى النوبة جنوبًا. وشهدت مصر حكامًا وملوكًا عملوا على إقامة امبراطورية قوية دفعت الدول المجاورة إلى التمنى بإقامة علاقات دبلوماسية وتجارية على نطاق واسع لكسب ود مصر.

ولما دخلت الدول المجاورة تحت السيطرة المصرية وأصبحت التجارة خلال تلك الفترة شبه داخلية، أى داخل دولة واحدة فاقتصر على نقل كل ثروات هذه البلاد بين بعضها البعض دون عوائق، فكان هناك ما يشبه التجارة الحرة بين شرق وغرب وجنوب ووسط الإمبراطورية، فشهدت الأسواق المصرية خليطًا من التجار والبضائع من جميع الأقطار والبلدان.

وإن استمر الأسطول المصرى فى تلك الفترة عصر الدولة الحديثة يقوم بنشاطه المعتاد فى التنقل بين أجزاء الامبراطورية لسد احتياجات مصر من كل أنواع التجارة فشهدت مصر أعز وأغنى عصورها الاقتصادية حتى أن العاصمة الأقصر (طيبة) أصبحت قبلة العالم القديم ودرة عواصمه وأصبحت من أغنى مدن العالم ثراء. وتشهد على ذلك آثارها العظيمة الباقية على ما وصل إليه الاقتصاد المصرى فى ذلك الحين

ومع أفول عصر الدولة الحديثة ودخول مصر عصر الاضمحلال الثالث بداية حوالى عام 950 ق.م وحتى نهاية العصور الفرعونية عام 332 ق.م وتعرضت مصر لحكم الأجانب من نوبيين وليبيين وفرس وأخيراً (الإسكندر) الأكبر وكان النشاط التجارى بين مصر وجيرانها متذبذبًا. وغير مستقر يعتمد على الظروف السياسية وطبيعة الحاكم وجنسيته وعلاقاته الداخلية. فتارة نجد مصر يحكمها النوبيين وتارة الليبيين وتارة الفرس فكل فريق حين يحكم مصر كان النشاط التجارى يزيد مع النوبة بحكم النوبيين ومع ليبيا بحكم الليبيين وهكذا وإن استمر التبادل التجارى ليشمل بلاد أخرى سواء فى قارة آسيا فى فارس والعراق وجنوب أوروبا وجنوب القارة الإفريقية لم يشهدها التاريخ من قبل.

ويشهد التاريخ مع حكم مصر الأسرة السادسة والعشرين مع حكم الملك (بسماتيك) الأول 664 ق.م وحتى عام 525 ق.م فى عهد الملك ( بسماتيك) الثالث أن خلال تلك الفترة أراد ملوك هذه الأسرة إعادة أمجاد الحضارة العصرية العظيمة بعد سيطرتهم على مصر فى إعادة سيطرة مصر على بعض المناطق التى فقدتها مصر فى الشرق أو الجنوب مع استمرار النشاط التجارى مع بلدان هذه المناطق على مدار ما يقرب من 134 عامًا

وأهم الأحداث فى تلك الفترة هو إرسال مصر أسطولاً تجاريًا لاستكشاف شواطئ القارة الإفريقية، بداية من البحر الأحمر من الموانئ المصرية جنوبًا، مارًا بكل الموانئ على شاطئ القارة الإفريقية لفتح أسواق تجارية جديدة واستمرت هذه الرحلة حوالى ثلاثة أعوام، نجح فيها الأسطول من الإبحار حول القارة الإفريقية والعودة من الغرب من خلال بوغاز جبل طارق (أعمدة هيراكليس) محملة بخيرات إفريقيا من كل البلدان وقد ذكر ملاحو الأسطول فى سجلاتهم أن عند ابحارهم من البحر الأحمر كانت الشمس تشرق عن يسارهم وعند نقطة معينة، وعند إبحارهم وجدوا الشمس تشرق عن يمينهم وهذا دليل على مرورهم عند رأس الرجاء الصالح جنوب أفريقيا لالتزامهم شاطئ القارة الإفريقية، وهى المرة الأولى التى يتم فيها أسطول رحلة حول القارة الأفريقية.

فكان الفضل للتجارة المصرية والأسطول المصرى فى اكتشاف هذه القارة، بغية الاتجار والاكتشاف فى نفس الوقت وكان لهذه التبادل التجارى بين الدول المختلفة سواء فى آسيا أو إفريقيا أو أوروبا مع العديد والعديد من شعوب العالم يستلزم وجود فريق من المترجمين يقوم بالترجمة بين هذه البعثات التجارية بعضها البعض. فكان المترجمون يلقبوا بـ(أميرى إعو) بمعنى المترجم لسهولة التعامل مع الأطراف الأجانب


No comments:

Post a Comment