Tuesday, September 18, 2018

الفراعنة واكتشاف قوى الطبيعة

كانت الظروف الطبيعية لمصر منذ آلاف السنين من أهم العوامل التى ساعدت على نشأة الحضارة المصرية القديمة على ضفاف النيل والتى تعتبر وبحق أم الحضارات الإنسانية التى ارتوت منها باقى الحضارات التى تلتها سواء القديم منها أو الحديث.

فنجد أن طبيعة أرض مصر الجغرافية، والتى تتمثل فى أرض مرتفعة فى الجنوب يتوسطها نهر النيل الذى ينبع من أواسط وشرق إفريقيا، وأرض منبسطة فى الشمال يتفرع فيها نهر النيل إلى سبعة أفرع لم يبق منها سوى فرعى رشيد ودمياط الآن. هذه الطبيعة الجغرافية ساعدت على حفظ هذه الحضارة التى أبدعها المصرى القديم فكان لوجود الصحراء الشرقية وشبه جزيرة سيناء والصحراء الغربية والبحر الأحمر والأبيض المتوسط تمثل حواجز طبيعية منيعة تحمى مصر والمصريين والحضارة المصرية منذ العصور الحجرية، وحتى أوخر الدولة الوسطى حوالى 1675 ق.م عند حدوث أول خطر حقيقى واجهت مصر والمتمثلة فى الهكسوس.

ولكن هذا لم يؤثر فى الحضارة المصرية كثيرًا حيث كانت الحضارة المصرية قد وصلت إلى مرحلة كبيرة لم تتأثر بهذا الخطر الآسيوى الهكسوسى بل أستفادت منه ـ أيضًا ـ فى تدفق نهر النيل سنويًا وبانتظام والذى يكون خطراً مدمراً فى بعض السنين وشحيحًا فى البعض الآخر، إلا أن الوضع الطبيعى هو استمرار تدفق الماء سر الحياة باستمرار لهذا الوادى مما ساعد على استقرار الإنسان المصرى على ضفتى النهر وكان لاستقراره الأثر الكبير فى الملاحظة والابتكار.

أيضًا نجد أن موقع مصر من الناحية المناخية فيه اعتدال فالجو صحو والسماء صافية طوال العام والأمطار قليلة أو متوسطة.

كل هذه العوامل الطبيعية ساعدت هذا الإنسان أن يتأمل ويفكر ويفحص ويدقق، ثم ينتج ويبدع ويخلق حضارة كانت نبع لا ينضب لباقى الحضارات وسبق العالم كله بعلمه. وهذا بالدليل القاطع والبراهين المادية التى تثبت أن المصرى القديم المكتشف الأول لقوانين العلوم الطبيعية منذ آلاف السنين وليس العلماء المحدثين.

يرجع العلم الحديث فضل اكتشاف قوانين الطفو إلى العالم أرشميدس ( 287 ـ 212 ق.م ) بعد قصته مع ملكه الذى أراد معرفة حقيقة وزن تاجه الذهبى أهو صنع من الذهب الخالص أم أن الصانع أضاف إليه مادة أخرى، تسرد القصة دخول أرشميدس لوعاء الاستحمام، فوجد أن الماء ينزاح حسب حجمه ووزنه ثم اكتشافه لقانون الطفو وعلى أساس هذا القانون تم تسجيله باسمه لدى كل الوثائق العلمية حتى يومنا هذا .

ولكن ألم يتوصل المصرى القديم لقوانين الطفو قبل أرشميدس بالآف السنين ؟ نعم هذا ما حدث ولكن كيف؟.

كان لاستقرار المصرى القديم على ضفتى النيل لآلاف السنين ودقة ملاحظته لما يحدث لهذا النهر يوميًا وملاحظته لطفو النبات والأشجار على سطح الماء بعد الفيضان وطفو الأوراق النباتية وغيرها الأثر الكبير فى محاولة استخدام خشب الأشجار لعبوره هذا النهر من جانب إلى جانب. فبدأ بمسك ساق الأشجار والعوم بها بعد مسكها بيده، ثم تطورت إلى محاولة الجلوس على ساق الأشجار الكبيرة واستخدام فروع الأشجار الصغيرة ليحرك بها الساق الكبيرة التى تحمله. ثم تطورت لمحاولة حفر جزء صغير يجلس فيه فى بطن الساق، لكى لا يبتل الشخص الجالس فيه ثم أراد زيادة السرعة بتهذيب الجزء الأمامى والخلفى لساق الشجرة بجعلها مدببة بعض الشئ.

ثم تطورت مرة أخرى بإضافة سيقان الأخشاب إلى الساق الأساسية يربطها بالحبال ليأخذ شكل الطوف لنقل بعض متاعه، ومع مرور الزمن استطاع أن يصنع المراكب الصغيرة شيئًا فشيئًا واستغرق هذا الأمر آلاف السنيين وذلك قبل العصور التاريخية بمئات السنين. والدليل على ذلك رسوم المراكب ذات المجاديف على أوانى الفخار التى تعود إلى عصور ما قبل التاريخ فى حضارة المعادى وديرتاسا والبدارى وغيرها، وهى معروضة ـالآن ـ بالمتحف المصرى ، كذلك الرسوم الجدارية الملونة أو المحفورة على آثاره من مقابض السكاكين أو روؤس دبوس القتال.

تثبت بالدليل والبرهان المادى معرفة الإنسان المصرى للطفو وكلها تعود إلى أكثر من 7 آلاف عام قبل الميلاد وخلال العصور التاريخية نجد أن فى خلال الدولة القديمة يرسل الملوك المصريون فى طلب أخشاب الأرز من ساحل فنيقيا (الشام حاليًا) لعمل المراكب والأثاث الفاخر وأشهر وأقدم وأكبر مركب موجود حاليًا بجوار الهرم الأكبر للملك خوفو (2589 – 2566 ق.م) بالجيزة، والتى يبلغ طولها حوالى 48 مترًا وعرضها 6 أمتار وارتفاع 7 أمتار مكونة من 1252 قطعة خشبية.

وخلاصة القول: إن المصرى القديم قد أثبت بما لاشك فيه معرفته لقوانين الطفو منذ آلاف السنين قبل أرشميدس بالأدلة المادية التى بين أيدينا شاهدة على عبقرية المصرى القديم وسبقه فى معرفة هذه القوانين.

كما عرف العلم الحديث قوانين الجاذبية، وأن الأرض بها قوة جذب تشد إليها كل ما عليها من ماء وكل مكونات سطح الأرض وكل ما يدور فى هواء الأرض أو حتى فى الفضاء المحيط بالأرض، مثل: الطائرات وسفن الفضاء والأقمار الصناعية.

وأرجعوا قانون الجاذبية إلى العالم إسحاق نيوتن بعد سقوط تفاحة أمامه من شجرة تفاح كان ينام أسفلها، حيث فكر فى سبب سقوط هذه التفاحة فى اتجاه الأرض وليس إلى السماء مع إعادة التجربة بإلقاء مواد مختلفة لأعلى وملاحظة سقوطها مرة أخرى إلى الأرض.

كان لنتيجة الاستقرار للإنسان المصرى القديم بوادى النيل لفترة طويلة تعدت آلاف السنين فى حضن وادى النيل فى سلام، ودون تعرضه للأخطار، مما أتاح له فرصة التأمل والملاحظة والتفكير العلمى لكافة المواد المختلفة التى تحتويها البيئة من حوله. وهو الأسلوب العلمى للتجارب العلمية والمسمى بخطوات البحث العلمى المعروفة: ( الملاحظة – التأمل – التجربة – النتيجة ) ولنرى كيف طبق المصرى القديم هذه الخطوات فى معرفة خصائص المواد فى حياته:
كان لملاحظة المصرى القديم لظل الأشياء أثناء النهار وتحركها عكس حركة الشمس الأثر الكبير فى إخضاع هذه الخصية للبحث والدراسة واستنتاج النتائج، ثم محاولة الاستفادة منها فى حياته فوجد أن أشعة الضوء تسير فى خط مستقيم وقد استغل هذا فى وضع المحور الأساسى للمعابد فى خط مستقيم حتى أعمق نقطة فى المعبد وهى قدس الأقداس وحتى يخدم فكرة أن الإله أى أن كان يستطيع أن يرى من قدس أقداسه بداخل المعبد الناس أو عبيده خارج المعبد وفى نفس الوقت لا يستطيع من بخارج المعبد رؤية تمثال هذا الإله وقد يمتد هذا المحور المستقيم مئات الأمتار كما فى معابد الكرنك والأقصر وإدفو وكوم إمبو وغيرها من المعابد.

كذلك فى معابد رمسيس بأبى سمبل نجد أن محور المعبد الكبير من المدخل وحتى قدس الأقداس حيث تماثيل رمسيس الثانى ورع آختى وأمون وبتاح، نجد أن الشمس تتعامد مرتين سنويًا على وجه رمسيس الثانى من المدخل وحتى التمثال 30 م حُول ليخدم فكر وعقيدة المصرى القديم فى أن رمسيس الثانى ابن لإله الشمس فيشرق وجهه أى التمثال سنويًا مرتين عند الاحتفال بيوم ميلاد الملك ويوم تتويجه ملكًا على مصر كذلك عرفوا الانقلاب الشمسى للشمس بين مدارى الجدى والسرطان سنويًا حيث تمر الشمس سنويًا مرتان فى نقطة واحدة.

فنجد أن الكهنه يسخرون العلم وخصائص الضوء فى إثبات فكرة معنوية تتلخص فى محبة إله الشمس لإبنه رمسيس الثانى وتخصصه بالاختيار دون البشر أجمعين بالإشراق عليه ويحدث هذا فى احتفال مهيب أمام المصريين القدماء فيثبت وعن يقين عقيدة اختيار إله الشمس (رع) إبنه الملك (رمسيس) الثانى دون البشر أجمعين.

وعلى كل هذا يثبت اكتشاف المصرى القديم لخاصية أن (الضوء يسير فى خطوط مستقيمة).

استطاع المصرى القديم بالأسلوب العلمى من التأمل والملاحظة، ثم التفكير والاستنتاج أن الخشب له خاصية التمدد إن شبع بالماء فيزداد حجم الخشب بمرور الوقت.
كان المصرى القديم يذهب إلى المحاجر لقطع الأحجار المختلفة لأنواع (الجرانيت– ديورايت– البستر– بازلت– جيرى... إلخ) معتمداً على خاصية تمدد الخشب بالماء. فكان يعمل على ثقب ثقوب متتالية فى الجبل بحجم كتلة الحجر المراد قطعها ولتكن 10 م × 2 م فيحدد حجم الكتلة، ثم تبدأ فى نقر ثقوب صغيرة متتالية بعمق 10 سم ويضع بها قطع أخشاب جافة ثم يقوم بصب الماء عليها مرات عديدة على فترات زمنية متقاربة، فيمتص الخشب الماء فيزيد حجمه

وبضغط هذه الأحجام للأخشاب المتتالية ينشأ نقاط ضعف فى كتلة الحجر ويخلق كسر فى كتلة الحجر وتفصل عن الجبل، كذلك فى تسوية سطح قاعدة الهرم لتسويتها بعمل حفر متباعدة كل 2 م عن الأخرى تغطى سطح الأرض كلها على سبيل المثال هرم خوفو 230 × 230 م وكل حفرة عمقها 20 سم توضع بها أخشاب أشجار من ساق الشجرة، وتسقى بالماء على فترات فتتمدد هذه القطع ويزداد حجمها مما يشكل ضغط فى كل اتجاه على سطح الأرض فتعمل على تفتيت هذا السطح ويسهل إكمال أعمال التهذيب للسطح بالآلات اليدوية.

كذلك استخدام المصرى القديم خاصية تمدد الخشب بالماء فى بناء المراكب وجعل وسيلة ربط الأجزاء الخشبية بعضها ببعض عن طريق ثقوب صغيرة متتالية ينفذ منها حبال من الكتان الذى ينكمش بالماء فيعمل على ربط الأجزاء الخشبية التى تتمدد والحبال تنكمش فيساعد هذه على حفظ هذه الأخشاب مترابطة دون تفككها وبالتالى تجوب المراكب والسفن والأنهار والبحار لسنوات دون أن تتلف.


No comments:

Post a Comment